للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفصل الثانى فى تعبيره ص الرؤيا]

يقال: عبرت الرؤيا بالتخفيف: إذا فسرتها، وعبرتها بالتشديد للمبالغة فى ذلك. وأما «الرؤيا» بوزن فعلى- وقد تسهل الهمزة- فهى ما يراه الشخص فى منامه.

قال القاضى أبو بكر بن العربى: الرؤيا إدراكات يخلقها الله تعالى فى قلب العبد على يد ملك أو شيطان، إما بأسمائها، أى حقيقتها، وإما بكناها أى بعبارتها، وإما تخليطا. وذهب أبو بكر بن الطيب: إلى أنها اعتقادات، واحتج بأن الرائى قد يرى نفسه بهيمة أو طائرا مثلا، وليس هذا إدراكا، فوجب أن يكون اعتقادا، لأن الاعتقاد قد يكون على خلاف المعتقد. قال ابن العربى: والأول أولى، والذى ذكره ابن الطيب من قبيل المثل فالإدراك يتعلق به لا بأصل الذات.

وقال المازرى: كثر كلام الناس فى حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة، لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالعقل، ولا يقوم عليها برهان، وهم لا يصدقون بالسمع «١» ، فاضطربت أقاويلهم، فمن ينتمى إلى الطب ينسب جميع الرؤيا إلى الأخلاط، فيقول:

من غلب عليه البلغم رأى أنه يسبح فى الماء ونحو ذلك لمناسبة الماء طبيعة البلغم، ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود فى الجو وهكذا إلى آخره، وهذا وإن جوزه العقل، وجاز أن يجرى الله العادة به لكنه لم يقم عليه دليل، ولا اطردت به عادة، والقطع فى موضع التجويز غلط.


(١) الدليل السمعى: أى الكتاب والسنة لأنهما تلقيا عن طريق السماع من الوحى، بخلاف الدليل العقلى الذى لا يستمد منهما.