للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففى هذا الكلام مع قلة حروفه من السخافة ما لا خفاء به على من لا يعلم، فضلا عمن يعلم.

[* والثانى: أن إعجازه هو الوصف الذى صار به خارجا عن جنس كلام العرب]

من النظم والنثر والخطب والشعر والرجز والسجع، فلا يدخل فى شىء منها ولا يختلط بها مع كون ألفاظه وحروفه من جنس كلامهم، ومستعملة فى نظمهم ونثرهم، ولذلك تحيرت عقولهم، وتدلهت «١» أحلامهم، ولم يهتدوا إلى مثله فى حسن كلامهم، فلا ريب أنه فى فصاحته قد قرع القلوب ببديع نظمه، وفى بلاغته قد أصاب المعانى بصائب سهمه، فإنه حجة الله الواضحة، ومحجته اللائحة، ودليله القاهر، وبرهانه الباهر، ما رام معارضته شقى إلا تهافت تهافت الفراش فى الشهاب، وذل ذل النقد حول الليوث الغضاب.

وقد حكى عن غير واحد ممن عارضه أنه اعترته روعة وهيبة كفته عن ذلك، كما حكى عن يحيى بن حكيم الغزال- بتخفيف الزاى وقد تشدد- وكان بليغ الأندلس فى زمانه أنه قد رام شيئا من هذا، فنظر فى سورة الإخلاص ليحذو على مثالها، وينسج بزعمه على منوالها، فاعترته خشية ورقة، حملته على التوبة والإنابة.

وحكى أيضا أن ابن المقفع- وكان أفصح أهل وقته- طلب ذلك ورامه، ونظم كلاما وجعله مفصلا، وسماه سورا، فاجتاز يوما بصبى يقرأ فى مكتب قوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ... «٢» الآية، فرجع ومحى ما عمل وقال: أشهد أن هذا لا يعارض أبدا، وما هو من كلام البشر.

ولله در العارف سيدى محمد وفا حيث قال، يعنى النبى- صلى الله عليه وسلم- والقرآن المعظم:


(١) دله فلان: أى حيره وأدهشه.
(٢) سورة هود: ٤٤.