للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: أن الخارج يقول: لو أقمت لأصبت، والمقيم يقول: لو خرجت لسلمت، فيقع اللوم المنهى عنه. وقال العارف ابن أبى جمرة: البلاء إنما يقصد به أهل البقعة، لا البقعة نفسها، فمن أراد الله تعالى إنزال البلاء به فهو واقع به لا محالة، فأينما توجه يدركه، فأرشدنا الشارع إلى عدم النصب.

وقال ابن القيم: جمع- صلى الله عليه وسلم- للأمة فى نهيه عن الدخول إلى الأرض التى هو بها، ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه، كمال التحرز منه، فإن فى الدخول فى الأرض التى هو فيها تعرضا للبلاء وموافاة له فى محل سلطانه، وإعانة الإنسان على نفسه، وهذا مخالف للشرع والعقل، بل تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التى أرشد الله تعالى إليها، وهى حمية من الأمكنة والأهوية المؤذية، وأما نهيه عن الخروج من بلده ففيه معنيان:

أحدهما: حمل النفوس على الثقة بالله تعالى والتوكل عليه، والصبر على أقضيته والرضا.

والثانى: ما قاله أئمة الطب أنه يجب على من كان يحترز من الوباء أن يخرج عن بدنه الرطوبات الفضلية، ويقلل الغذاء، ويميل إلى التدبير المجفف من كل وجه، والخروج من أرض الوباء والسفر منها لا يكون إلا بحركة شديدة، وهى مضرة جدّا. هذا كلام أفضل المتأخرين من الأطباء، فظهر المعنى الطبى من الحديث النبوى، وما فيه من علاج القلب والبدن وصلاحهما، انتهى.

ذكر طبه ص من السلعة «١» :

أخرج البخارى فى تاريخه، والطبرانى والبيهقى عن شرحبيل الجعفى قال: أتيت النبى- صلى الله عليه وسلم- وبكفى سلعة، فقلت يا رسول الله قد آذتنى، تحول بينى وبين قائم السيف أن أقبض عليه وعنان الدابة، فنفث فى كفى، ووضع كفه على السلعة فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها عنها وما أرى أثرها.


(١) السّلعة: الغدة.