للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الحكيم «١» : قال بعض أهل التفسير فى قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ «٢» أى فى المنام. ورؤيا الأنبياء وحى بخلاف غيرهم، فالوحى لا يدخله خلل لأنه محروس، بخلاف رؤيا غير الأنبياء فإنه قد يحضرها الشيطان.

وقال الحكيم أيضا: وكل الله بالرؤيا ملكا اطلع على أحوال بنى آدم من اللوح المحفوظ فينسخ منها، ويضرب لكل على قصته مثلا، فإذا نام مثلت له تلك الأشياء على طريق الحكمة الإلهية لتكون له بشرى أو نذارة أو معاتبة، والآدمى قد يسلط عليه الشيطان لشدة العداوة بينهما، فهو يكيده بكل وجه، ويريد إفساد أموره بكل طريق، فيلبس عليه رؤياه إما بتغليطه فيها أو بغافلته عنها.

[الرؤيا الصالحة جزء من النبوة:]

وفى البخارى من حديث أنس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزآ من النبوة» «٣» .

والمراد غالب رؤيا الصالحين، وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم، بخلاف عكسهم، فإن الصدق فيها نادر لغلبة تسلطه عليهم. وقد استشكل كون الرؤيا جزآ من النبوة، مع أن النبوة انقطعت بموته- صلى الله عليه وسلم-.

وأجيب: بأن الرؤيا إن وقعت منه- صلى الله عليه وسلم- فهى جزء من أجزاء النبوة حقيقة، وإن وقعت من غير النبى فهى جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز. وقيل: المعنى أنها جزء من علم النبوة، لأن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق. وتعقب بقول مالك- كما حكاه ابن عبد البر- أنه سئل: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب. ثم قال: الرؤية جزء من النبوة.


(١) هو السابق.
(٢) سورة الشورى: ٥١.
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٦٩٨٣) في التعبير، باب: رؤيا الصالحين.