للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ الْمُسْلِمِينَ «١» إلى غير ذلك. ولأن الإيمان أخص من الإسلام، كما هو مذهب كثير من العلماء، وليس خاصا بهذه الأمة، بل يوصف به كل من دخل فى شريعة مقرّا بالله وبأنبيائه، كما قال الراغب.

[* ومنها: أن شريعتهم أكمل من جميع شرائع الأمم المتقدمة،]

وهذا لا يحتاج إلى بيانه لوضوحه. وانظر إلى شريعة موسى- عليه السّلام-، فقد كانت شريعة جلال وقهر، أمروا بقتل نفوسهم، وحرمت عليهم الشحوم وذوات الظفر وغيرها من الطيبات، وحرمت عليهم الغنائم، وعجلت لهم من العقوبات ما عجل، وحملوا من الآصار والأغلال ما لم يحمله غيرهم.

وكان موسى- عليه السّلام- من أعظم خلق الله هيبة ووقارا وأشدهم بأسا وغضبا لله، وبطشا بأعداء الله، فكان لا يستطاع النظر إليه.

وعيسى- عليه السّلام- كان فى مظهر الجمال، وكانت شريعته شريعة فضل وإحسان، وكان لا يقاتل ولا يحارب، وليس فى شريعته قتال ألبتة، والنصارى يحرم عليهم فى دينهم القتال، وهم به عصاة، فإن الإنجيل يأمر فيه: أن من لطمك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ومن نازعك ثوبك فأعطه رداءك، ومن سخرك ميلا فامش معه ميلين، ونحو هذا، وليس فى شريعتهم مشقة ولا إصر ولا أغلال. وأما النصارى فابتدعوا تلك الرهبانية من قبل أنفسهم ولم تكتب عليهم.

وأما نبينا- صلى الله عليه وسلم- فكان مظهر الكمال، الجامع لتلك القوة والعدل والشدة فى الله، واللين والرأفة والرحمة فشريعته أكمل الشرائع، وأمته أكمل الأمم، وأحوالهم ومقاماتهم أكمل الأحوال والمقامات، ولذلك تأتى شريعته- صلى الله عليه وسلم- بالعدل إيجابا له وفرضا، وبالفضل ندبا إليه واستحبابا، وبالشدة فى موضع الشدة، وباللين فى موضع اللين، ووضع السيف موضعه، ووضع الندى موضعه، فيذكر الظلم ويحرمه، والعدل ويأمره به، والفضل ويندب


(١) سورة الذاريات: ٣٦.