للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سجود، أى لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبنى للصلاة، وهو من مجاز التشبيه، لأنه لما جازت الصلاة فى جميعها كان كالمسجد فى ذلك. وقيل المراد: جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا، وجعلت لغيرى مسجدا ولم تجعل له طهورا، لأن عيسى كان يسيح فى الأرض، ويصلى حيث أدركته الصلاة، قاله ابن التين ومن قبله الداودى.

وقيل: إنما أبيح لهم فى موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة فأبيح لهم فى جميع الأرض، إلا فيما تيقنوا نجاسته.

والأظهر: ما قاله الخطابى، وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلاة فى أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ «وكان من قبلى إنما كانوا يصلون فى كنائسهم» وهذا نص فى موضع النزاع فتثبت الخصوصية. ويؤيده ما رواه البزار من حديث ابن عباس، نحو حديث جابر وفيه: ولم يكن من الأنبياء أحد يصلى حتى يبلغ محرابه قاله فى فتح البارى «١» .

ومنها: أن معجزته- صلى الله عليه وسلم- مستمرة إلى يوم القيامة،

ومعجزات سائر الأنبياء انقرضت لوقتها، فلم يبق إلا خبرها، والقرآن العظيم لم تزل حجته قاهرة ومعارضته ممتنعة.

[ومنها: أنه أكثر الأنبياء معجزة.]

قال القاضى عياض: أما كونها كثيرة فهذا القرآن وكله معجز، وأقل ما يقع الإعجاز فيه عند بعض أئمة المحققين بسورة إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ «٢» أو آية فى قدرها، وذهب بعضهم: إلى أن كل آية منه كيف كانت معجزة، وذهب آخرون إلى أن كل جملة منتظمة منه معجزة، وإن كانت من كلمة أو كلمتين.

قال القاضى: والحق ما ذكرناه أولا، لقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ «٣» فهو أقل ما تحداهم به، مع ما ينصر هذا القول من نظر وتحقيق


(١) انظر «فتح البارى» (٨/ ٢٥٨) .
(٢) سورة الكوثر: ١.
(٣) سورة البقرة: ٢٣.