للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من عند الله، وأن البشر لا قدرة لهم على تأليف مثل ذلك، فكيف إذا جاء على يد أصدق الخلق وأبرهم وأتقاهم وقال: إنه كلام الله، وتحدى الخلق كلهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فكيف يبقى مع هذا شك. انتهى.

[وجوه إعجاز القرآن الكريم]

واعلم أن وجوه إعجاز القرآن لا تنحصر، لكن قال بعضهم: قد اختلف العلماء فى إعجازه على ستة أوجه:

[* أحدها: أن وجه إعجازه هو الإيجاز والبلاغة]

، مثل قوله: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ «١» فجمع فى كلمتين عدد حروفهما عشرة أحرف معانى كلام كثير. وحكى أبو عبيد: أن أعرابيّا سمع رجلا يقرأ: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ «٢» فسجد وقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام. وسمع آخر رجلا يقرأ: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا «٣» قال: أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام. وحكى الأصمعى: أنه رأى جارية خماسية أو سداسية وهى تقول: أستغفر الله من ذنوبى كلها، فقلت لها: مم تستغفرين ولم يجر عليك قلم؟ فقالت:

أستغفر الله لذنبى كله ... قتلت إنسانا بغير حله

مثل غزال ناعم فى دله ... انتصف الليل ولم أصله

فقلت لها: قاتلك الله ما أفصحك، فقالت: أو تعد هذا فصاحة بعد قوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ «٤» فجمع فى آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.

وحكى أن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- كان يوما نائما فى المسجد، فإذا هو برجل قائم على رأسه، يتشهد شهادة الحق، فأعلمه أنه من بطارقة الروم، ممن


(١) سورة البقرة: ١٧٩.
(٢) سورة الحجر: ٩٤.
(٣) سورة يوسف: ٨٠.
(٤) سورة القصص: ٧.