للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من العلوم والمعارف، لا تحيط به العبارات، ولا تدرك حقيقة كنهه الإشارات، وإذا كان هذا ابن سيرين واحد من أمته- صلى الله عليه وسلم- نقل عنه فى فن التعبير ما لا يعد لكثرته، فكيف به- صلى الله عليه وسلم- وزاده فضلا وشرفا لديه، وأفاض علينا من سحائب علومه ومعارفه، وتعطف علينا بعواطفه.

[الفصل الثالث فى إنبائه ص بالأنباء المغيبات]

اعلم أن الغيب يختص به تعالى، وما وقع منه على لسان رسوله- صلى الله عليه وسلم- وغيره فمن الله تعالى، إما بوحى أو إلهام، والشاهد لهذا قوله تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ «١» ليكون معجزة له. واستدل به على إبطال الكرامات.

وأجيب: بتخصيص الرسول بالملك، والإظهار بما يكون بغير توسطه، وكرامات الأولياء على المغيبات إنما تكون برؤيا الملائكة، كاطلاعنا على أحوال الآخرة بتوسط الأنبياء، وفى حديث مرّ: أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: «والله إنى لا أعلم إلا ما علمنى ربى» «٢» فكل ما ورد عنه- صلى الله عليه وسلم- من الأنباء المنبئة عن الغيوب ليس هو إلا من إعلام الله له به، إعلاما على ثبوت نبوته، ودلائل على صدق رسالته، وقد اشتهر وانتشر أمره- صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه بالاطلاع على الغيوب، حتى إن كان بعضهم ليقول لصاحبه: اسكت فو الله لو لم يكن عندنا من يخبره لأخبرته حجارة البطحاء، ويشهد له قول ابن رواحة:

وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الصبح ساطع

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع

وقال حسان بن ثابت:


(١) سورة الجن: ٢٦، ٢٧.
(٢) تقدم.