للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ذلك، ما رواه البخارى عن أم العلاء، وهى امرأة من نسائهم، بايعت رسول الله: وأريت لعثمان بن مظعون بعد موته فى النوم عينا تجرى، فجئت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فقال: «ذاك عمله يجري له» «١» .

وقد قيل: يحتمل أنه كان لعثمان شئ من عمله بقى له ثوابه جاريا كالصدقة، وأنكره مغلطاى وقال: لم يكن له شئ من الأمور الثلاثة التى ذكرها مسلم فى حديث أبى هريرة رفعه: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» «٢» .

وتعقبه شيخ الحفاظ ابن حجر: بأنه كان له ولد صالح شهد بدرا وما بعدها، وهو السائب، مات فى خلافة أبى بكر، فهو أحد الثلاث. قال: وقد كان عثمان من الأغنياء، فلا يبعد أن يكون له صدقة استمرت بعد موته.

وقال المهلب: العين الجارية تحتمل وجوها، فإن كان ماؤها صافيا عبرت بالعمل الصالح، وإلا فلا. وقال غيره: العين الجارية عمل جار من صدقة أو معروف لحى أو ميت. وقال آخر: عين الماء نعمة وبركة وخير، وبلوغ أمنية إن كان صاحبها مستورا، فإن كان غير عفيف أصابته مصيبة يبكى لها أهل داره، والله أعلم.

فهذا طرف من تعبيره- صلى الله عليه وسلم-، يهدى إلى غيره مما يشبهه، وإلا فالذى نقل عنه- صلى الله عليه وسلم- من غرائب التأويل، ولطائف التعبير- كما قاله ابن المنير- لا تحصره المجلدات.

وأنت إذا تأملت أن كل كرامة أوتيها واحدة من هذه الأمة فى علم أو عمل، هى من آثار معجزة نبيه- صلى الله عليه وسلم-، وسر تصديقه، وبركات طريقه، وثمرات الاهتداء بهديه وتوفيقه، واستحضرت ما أوتيه الإمام محمد بن سيرين من لطائف التعبير، مما شاع وذاع، وامتلأت به الأسماع، طبق الأرض صدقا وصوابا، وعجبا عجابا، بل بحرا عبابا، قضيت بأن ما منحه- صلى الله عليه وسلم-


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٢٦٨٧) فى الشهادات، باب: القرعة فى المشكلات.
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (١٦٣١) فى الوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته.