وتعقب: بأنه لا ترضى نسبته- صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك، لما يلزم عليه من تفضيل الملائكة بعدم الفترة عن التسبيح والمشاهدة، ولقوله- صلى الله عليه وسلم-: «لست أنسى ولكن أنسى لأسنّ»«١» فهذه ليست فترة وإنما هى لحكمة مقصودة يثبت بها حكم شرعى، فالأولى أن يحمل على ما جعله علة فيه، وهو ما دفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الأمة، ومعاناة الأهل، وحمل كل أعباء النبوة وحمل أثقالها. انتهى.
وقيل: الغين شىء يعترى القلب مما يقع من حديث النفس، قال الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر: وهذا أشار إليه الرافعى فى أماليه، وقال: إن والده كان يقرره. وقيل: كانت حالة يطلع فيها على أحوال أمته فيستغفر لهم.
وقيل: هو السكينة التى تغشى قلبه، والاستغفار لإظهار العبودية لله تعالى، والشكر لما أولاه.
وقال شيخ الإسلام ابن العراقى أيضا: هذه الجملة حالية، أخبر- صلى الله عليه وسلم- أنه يغان على قلبه مع أن حاله الاستغفار فى اليوم مائة مرة، وهى حال مقدرة، لأن الغين ليس موجودا فى حال الاستغفار، بل إذا جاء الاستغفار أذهب ذلك الغين. قال: وعلى تقدير تعلق إحدى الجملتين بالآخرى، وأن الثانية مسببة عن الأولى، فيحتمل أن يكون هذا الغين تغطية للقلب عن أمور الدنيا، وحجابا بينه وبينها، فينجمع القلب حينئذ على الله تعالى ويتفرغ للاستغفار شكرا وملازمة للعبودية، قال: وهذا معنى ما قاله القاضى عياض، انتهى ومراده قوله فى «الشفاء» : وقد يحتمل أن تكون هذه الإغانة حالة خشية وإعظام تغشى قلبه فيستغفر حينئذ شكرا لله تعالى، وملازمة لعبوديته إلى آخر كلامه.
قال الشيخ ابن العراقى: وهو عندى كلام حسن جدّا، وتكون الجملة
(١) ضعيف: أخرجه مالك فى «الموطأ» (١/ ١٠٠) بلاغا، وهو أحد الأحاديث الأربعة التى قال عنها ابن عبد البر فى «التمهيد» التى لا يوجد فى غيره مسندة ولا مرسلة، انظر «التمهيد» لابن عبد البر (٢٤/ ٣٧٥) .