مائة مرة» «١» هذا لفظ مسلم، وقال أبو داود «فى كل يوم» ، قال الشيخ ولى الدين بن العراقى: والظاهر أن الجملة الثانية مرتبة على الأولى، وأن سبب الاستغفار: الغين، ويدل لذلك قوله فى رواية النسائى فى عمل اليوم والليلة:
إنه ليغان على قلبى حتى أستغفر الله كل يوم مائة مرة، وفى رواية له أيضا:
فأستغفر الله. وألفاظ الحديث يفسر بعضها بعضا. ويحتمل من حيث اللفظ أن تكون الجملة الثانية كلاما برأسه غير متعلق بما قبله، فيكون- صلى الله عليه وسلم- أخبر بأنه يغان على قلبه، وبأنه يستغفر الله فى اليوم مائة مرة، انتهى.
وقال أبو عبيد: أصل الغين فى هذا، ما يغشى القلب ويغطيه، وأصله:
من غين السماء، وهو إطباق الغيم عليها. وقال غيره: الغين يغشى القلب ولا يغطيه كل التغطية، كالغيم الرقيق الذى يعرض فى الهواء فلا يمنع ضوء الشمس.
قال القاضى عياض- بعد حكايته ذلك-: فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه وفترات نفسه وسهوها عن مداومة الذكر ومشاهدة الحق بما كان- صلى الله عليه وسلم- دفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الأمة ومعاناة الأهل، ومقاومة الولى والعدو، ومصلحة النفس، وما كلفه من أعباء أداء الرسالة وحمل الأمانة، وهو فى كل هذا فى طاعة ربه، وعبادة خالقه، ولكن لما كان- صلى الله عليه وسلم- أرفع الخلق عند الله مكانة وأعلاهم درجة، وأتمهم به معرفة، وكانت حاله عند خلوص قلبه وخلو همته، وتفرده بربه وإقباله بكليته عليه، ومقامه هناك أرفع حاليه، رأى- صلى الله عليه وسلم- حال فترته عنها، وشغله بسواها غضا على حاله، وخفضا من رفيع مقامه، فاستغفر الله من ذلك، قال: وهذا أولى وجوه الحديث وأشهرها، وإلى معنى ما أشرنا إليه مال كثير من الناس، وحام حوله فقارب ولم يرد، وقد قربنا غامض معناه، وكشفنا للمستفيد محياه، وهو مبنى على جواز الفترة والغفلات والسهو فى غير طريق البلاغ، انتهى.
(١) صحيح: أخرجه مسلم (٢٧٠٢) فى الذكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه، وأبو داود (١٥١٥) فى الصلاة، باب: فى الاستغفار.