للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس بابن مريم ليس بينى وبينه نبى» «١» وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبى يقال له: خالد بن سنان، كما حكاه القضاعى وغيره.

والمقصود: أن الله بعث محمدا على فترة من الرسل وطموس من السبل وتغير الأديان، وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان، فكانت النعمة به أتم والنفع به أعم. وفى حديث عند الإمام أحمد مرفوعا: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عجمهم وعربهم إلا بقايا من بنى إسرائيل» «٢» وفى لفظ مسلم «من أهل الكتاب» . فكان الدين قد التبس على أهل الأرض كلهم، حتى بعث الله محمدا فهدى به الخلائق، وأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وتركهم على المحجة البيضاء، والشريعة الغراء، - صلوات الله وسلامه عليه-.

وقال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «٣» . أى: عزيز عليه عنتكم، أى إثمكم بالشرك والمعاصى، حريص عليكم أن تهتدوا. قال الحسن: عزيز عليه أن تدخلوا النار، حريص عليكم أن تدخلوا الجنة، ومن حرصه- صلى الله عليه وسلم- علينا أنه لم يخاطبنا بما يريد إبلاغه إلينا، وفهمنا إياه على قدر منزلته، بل على قدر منزلتنا، وإلى هذا أشار صاحب البردة بقوله:

لم يمتحنا بما تعيى العقول به ... حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم

أى لم نتحير ولم نشك فيما ألقاه إلينا. وقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «٤» ولا رحمة مع التكليف بما لا يفهم. ومن حرصه- صلى الله عليه وسلم- على هدايتنا أنه كان كثيرا ما يضرب المثل بالمحسوس ليحصل الفهم، وهذه سنة


(١) صحيح: وقد تقدم.
(٢) صحيح: أخرجه أحمد فى «المسند» (٤/ ١٦٢) ، وهو عند مسلم (٢٨٦٥) فى الجنة، باب: الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل النار، من حديث عياض بن حمار المجاشعى.
(٣) سورة التوبة: ١٢٨.
(٤) سورة الأنبياء: ١٠٧.