للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويكون قوله «وعزته» معطوفا على «وشدة» والضمير فيه راجع إلى الموصول وهو «ما» فى قوله «ما يعنتهم» والهاء الثانية فى «عليه» عائدة على النبى- صلى الله عليه وسلم-. انتهى.

وقال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «١» . يجوز أن يكون «رحمة» مفعولا له، أى لأجل الرحمة، ويجوز أن ينتصب على الحال مبالغة فى أن جعله نفس الرحمة، وإما على حذف مضاف أى: ذا رحمة، أو بمعنى: راحم. قاله السمين «٢» .

وقال أبو بكر بن طاهر- فيما ذكره القاضى عياض-: زين الله تعالى محمدا- صلى الله عليه وسلم- بزينة الرحمة، فكان كونه رحمة، وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، فمن أصابه شىء من رحمته فهو الناجى فى الدارين من كل مكروه، والواصل فيهما إلى كل محبوب، انتهى.

وقال ابن عباس: رحمة للبر والفاجر، لأن كل نبى إذا كذب أهلك الله من كذبه. ومحمد أخّر من كذبه إلى الموت أو إلى القيامة. وأما من صدقه فله الرحمة فى الدنيا والآخرة. وقال السمرقندى: رحمة للعالمين يعنى: الجن والإنس. وقيل: لجميع الخلق للمؤمن رحمة بالهداية، ورحمة للمنافق بالأمان من القتل، ورحمة للكافر بتأخير العذاب. فذاته- صلى الله عليه وسلم- كما قيل- رحمة تعم المؤمن والكافر، قال الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ «٣» ، وقال- صلى الله عليه وسلم-: «إنما أنا رحمة مهداة» «٤» رواه الدارمى والبيهقى فى «الشعب» من حديث أبى هريرة. وقال بعض العارفين: الأنبياء خلقوا كلهم من الرحمة، ونبينا- صلى الله عليه وسلم- عين الرحمة، ولقد أحسن القائل:

غنيمة عمر الكون بهجة عيشه ... سرور حياة الدهر فائدة الدهر

هو النعمة العظمى هو الرحمة التى ... تجلى بها الرحمن فى السر والجهر


(١) سورة الأنبياء: ١٠٧.
(٢) هو: أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبى، أبو العباس شهاب الدين المعروف بالسمين، توفى سنة (٧٥٦ هـ) .
(٣) سورة الأنفال: ٣٣.
(٤) تقدم.