للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل هو مقيد بما قبل نزول عيسى، وقد أخبر نبينا- صلى الله عليه وسلم- بنسخه، وليس عيسى- عليه السّلام- هو الناسخ، بل نبينا- صلى الله عليه وسلم- هو المبين للنسخ، فدل على أن الامتناع فى ذلك الوقت من قبول الجزية هو شرح نبينا- صلى الله عليه وسلم-. أشار إليه النووى فى شرح مسلم.

فإن قلت: ما المعنى فى تغيير حكم الشرع عند نزول عيسى- عليه السّلام- فى عدم قبول الجزية؟

فأجاب ابن بطال: بأنا إنما قبلناها نحن لاحتياجنا إلى المال، وليس يحتاج عيسى- عليه السّلام- عند خروجه إلى مال، لأنه يفيض فى أيامه المال حتى لا يقبله أحد، فلا يقبل إلا القتل أو الإيمان بالله وحده. انتهى.

وأجاب الشيخ ولى الدين ابن العراقى: بأن قبول الجزية من اليهود والنصارى لشبهة ما بأيديهم من التوراة والإنجيل. وتعلقهم بزعمهم بشرع قديم، فإذا نزل عيسى- عليه السّلام- زالت تلك الشبهة بحصول معاينته، فصاروا كعبدة الأوثان فى انقطاع شبهتهم وانكشاف أمرهم، فعوملوا معاملتهم فى أنه لا يقبل منهم إلا الإسلام، والحكم يزول بزوال علته. قال: وهذا معنى حسن مناسب لم أر من تعرض له. قال وهذا أولى مما ذكره ابن بطال. انتهى.

وكذلك من يقول من العلماء بنبوة الخضر، وأنه باق إلى اليوم، فإنه تابع لأحكام هذه الملة. وكذلك إلياس على ما صححه أبو عبد الله القرطبى أنه حى أيضا. وليس فى الرسل من يتبعه رسول له كتاب إلا نبينا- صلى الله عليه وسلم-، وكفى بهذا شرفا لهذه الأمة المحمدية زادها الله شرفا.

فالحمد لله الذى خصنا بهذه الرحمة، وأسبغ علينا هذه النعمة، ومنّ علينا بما عمنا به من الفضائل الجمة، ونوّه بنا فى كتابه العزيز بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ «١» ، فتأمل قوله كُنْتُمْ أى فى اللوح المحفوظ، وقيل: كنتم فى علم الله. فينبغى لمن هو من هذه الأمة المحمدية أن يتخلق بالأخلاق الزكية، ليثبت له ما لهذه الأمة الشريفة من الأوصاف المرضية، ويتأهل لما لها من الخيرية.


(١) سورة آل عمران: ١١٠.