للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من شئت. وذلك أن الله تعالى يفتح عليه مكة وأهلها، وما فتحت على أحد قبله، فأحل ما شاء وحرم ما شاء، فقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وغيره، وحرم دار أبى سفيان. فإن قلت: هذه السورة مكية، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ «١» إخبار عن الحال، والواقعة التى ذكرت فى آخر مدة هجرته إلى المدينة، فكيف الجمع بين الأمرين؟

أجيب: بأنه قد يكون اللفظ للحال، والمعنى مستقبل، كقوله تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «٢» . وعلى كل حال فهذا متضمن للقسم ببلد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولا يخفى ما فيه من زيادة التعظيم، وقد روى أن عمر ابن الخطاب- رضى الله عنه- قال للنبى- صلى الله عليه وسلم-: بأبى أنت وأمى يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن أقسم بحياتك دون سائر الأنبياء، ولقد بلغ من فضيلتك عنده أن أقسم بتراب قدميك فقال: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ «٣» .

وقال تعالى: وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ «٤» . اختلف فى تفسير العصر على أقوال.

فقيل: هو الدهر، لأنه مشتمل على الأعاجيب، لأنه يحصل فيه السراء والضراء، والصحة والسقم وغير ذلك. وقيل: ذكر العصر الذى بمضيه ينقضى عمرك، فإذا لم يكنى فى مقابلته كسب صار ذلك عين الخسران، ولله در القائل:

إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى نقص من الأجل

وفى تفسير الإمام فخر الدين والبيضاوى وغيرهما: أنه أقسم بزمان الرسول- صلى الله عليه وسلم-. قال الإمام الرازى: واحتجوا له بقوله- صلى الله عليه وسلم-: «إنما مثلكم


(١) سورة البلد: ٢.
(٢) سورة الزمر: ٣٠.
(٣) سورة البلد: ١.
(٤) سورة العصر: ١، ٢.