على المحبين سابغة، لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون، ولقد تقدموا الركب بمراحل وهم فى سيرهم واقفون.
من لى بمثل سيرك المذلل ... تمشى رويدا وتحبى فى الأول
أجابوا مؤذن الشوق إذ نادى بهم حى على الفلاح، فى الأول أنفسهم فى طلب الوصول إلى محبوبهم، وكان بذلهم بالرضا والسماح، وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح، ولقد حمدوا عند وصولهم مسراهم، وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح.
وقد اختلفوا فى تعريف المحبة، وعباراتهم وإن كثرت فليست فى الحقيقة ترجع إلى اختلاف مقال، وإنما هى اختلاف أحوال، وأكثرها يرجع إلى ثمرتها دون حقيقتها. وقد قال بعض المحققين: حقيقة المحبة عند أهل المعرفة، من المعلومات التى لا تحد، وإنما يعرفها من قامت به وجدانا لا يمكن التعبير عنه. وهكذا كقول صاحب مدارج السالكين- تبعا لغيره-: والمحبة لا تحد بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء فحدها وجودها، ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة.
وإنما يتكلم الناس فى أسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها، فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستة، وتنوعت بهم العبارات، وكثرت الإشارات بحسب الإدراك والمقام والحال. وقد وضعوا لمعناها حرفين مناسبين للمسمى غاية المناسبة:[الحاء] التى هى من أقصى الحلق، و «الباء» الشفهية التى هى نهايته، فللحاء الابتداء، وللباء الانتهاء، وهذا شأن المحبة وتعلقها بالمحبوب، فإن ابتداءها منه وانتهاءها إليه.
وقد أعطوا «الحب» حركة الضم التى هى أشد الحركات وأقواها مطابقة لشدة حركة مسماه وقوتها، وأعطوا «الحبّ» وهو المحبوب حركة الكسر لخفتها من الضمة، وخفة المحبوب وذكره على قلوبهم وألسنتهم. فتأمل هذا اللطف والمناسبة العجيبة بين الألفاظ والمعانى تطلعك على قدر هذه اللغة، وإن لها