ومما يعزى للعارف الربانى أبى محمد المرجانى أنه قال: وسر قوله- صلى الله عليه وسلم- (كما صليت على إبراهيم، وكما باركت على إبراهيم) ولم يقل:
كما صليت على موسى، لأن موسى- عليه الصلاة والسلام- كان التجلى له بالجلال، فخر موسى صعقا، والخليل إبراهيم كان التجلى له بالجمال، لأن المحبة والخلة من آثار التجلى بالجمال، فلهذا أمرهم- صلوات الله وسلامه عليه- أن يصلوا عليه كما صلى على إبراهيم، فيسألوا له التجلى بالجمال، وهذا لا يقتضى التسوية فيما بينه وبين الخليل- صلوات الله وسلامه عليهما-، لأنه إنما أمرهم أن يسألوا له التجلى بالوصف الذى تجلى به للخليل- عليه الصلاة والسلام-، فالذى يقتضيه الحديث المشاركة فى الوصف الذى هو التجلى بالجمال، ولا يقتضى التسوية فى المقامين ولا الرتبتين، فإن الحق سبحانه يتجلى بالجمال لشخصين بحسب مقاميهما، وإن اشتركا فى وصف التجلى بالجمال، فيتجلى لكل واحد منهما بحسب مقامه عنده، ورتبته منه ومكانته، فيتجلى للخليل- عليه الصلاة والسلام- بالجمال بحسب مقامه، ويتجلى لسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- بالجمال بحسب مقامه، فعلى هذا يفهم الحديث انتهى. فإن قلت: ما المراد بال محمد فى هذا الحديث؟
فالجواب: أن الراجح أنهم من حرمت عليهم الصدقة، كما نص عليه الشافعى، واختاره الجمهور، ويؤيده قوله- صلى الله عليه وسلم- للحسن بن على:«إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة»«١» وقيل: المراد بال محمد أزواجه وذريته. وقيل:
المراد بهم جميع الأمة أمة الإجابة. حكاه أبو الطيب الطبرى عن بعض الشافعية، ورجحه النووى فى شرح مسلم، وقيده القاضى حسين بالانقياد منهم، وعليه يحمل كلام من أطلق، ويؤيده ما رواه تمام فى فوائده، والديلمى عن أنس قال: سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: من آل محمد؟ فقال:
«كل تقى من أمة محمد» ، زاد الديلمى: ثم قرأ: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا
(١) صحيح: أخرجه أحمد فى «المسند» (١/ ٢٠٠) ، وهو عند البخارى (١٤٩١) فى الزكاة، باب: ما يذكر فى الصدقة للنبى- صلى الله عليه وسلم- وآله، ومسلم (١٠٦٩) فى الزكاة، باب: تحريم الزكاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.