وحكى ابن القيم: أنه ورد فى خبر إسرائيلى، أن الخليل- عليه الصلاة والسلام- قال: يا رب ممن الداء؟ قال: منى، قال: فممن الدواء؟ قال: منى.
قال: فما بال الطبيب؟ قال: رجل أرسل الدواء على يديه. قال: وفى قوله- صلى الله عليه وسلم-: «لكل داء دواء» تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء، والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله تعلق قلبه بروح الرجاء، وبرد من حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء، وقويت نفسه وانبعثت حرارته الغريزية، وكان ذلك سببا لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية، ومتى قويت هذه الأرواح قويت القوى التى هى حاملة لها، فقهرت المرض ودفعته. انتهى.
فإن قلت: ما المراد بالإنزال فى قوله فى الأحاديث السابقة «إلا أنزل له دواء» وفى الرواية الآخرى «شفاء» فالجواب: أنه يحتمل أن يكون عبر بالإنزال عن التقدير، ويحتمل أن يكون المراد إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبى- صلى الله عليه وسلم-.
وأين يقع طب حذاق الأطباء، الذى غايته أن يكون مأخوذا من قياس أو مقدمات وحدس وتجربة، من الوحى الذى يوحيه الله تعالى إلى رسوله- صلى الله عليه وسلم- بما ينفعه ويضره، فنسبة ما عند حذاق الأطباء من الطب إلى هذا الوحى كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاء به- صلى الله عليه وسلم-. بل هاهنا من الأدوية التى تشفى من الأمراض ما لم تهتد إليها عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجربتهم وأقيستهم من الأدوية القلبية والروحانية، وقوة القلب، واعتماده على الله تعالى والتوكل عليه والانكسار بين يديه، والصدقة والصلاة والدعاء والتوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق والتفريج عن المكروب.
فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير فى الشفاء ما لم يصل إليه علم أعلم الأطباء، وقد جربت ذلك- والله- مرات، فوجدته يفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية.