للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على نفسى» فذهب الإسماعيلى «١» إلى أن هذه الخشية كانت منه قبل أن يحصل له العلم الضرورى بأن الذى جاءه ملك من عند الله. وكان أشق شىء عليه أن يقال عليه مجنون.

وقيل: إن خشيته كانت من قومه أن يقتلوه، ولا غرو، فإنه بشر يخشى من القتل والأذية، كما يخشى البشر.

* وقوله: «ما أنا بقارئ» أى: أنا أمى فلا أقرأ الكتب.

* وقال القاضى عياض: إنما بيتدئ- صلى الله عليه وسلم- بالرؤيا، لئلا يفجأه الملك ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا تحتملها قوى البشر، فبدىء بأوائل خصال النبوة وتباشير الكرامة. انتهى.

فإن قلت: فلم كرر قوله «ما أنا بقارئ» ثلاثا؟

أجاب أبو شامة «٢» كما فى فتح البارى: بأن يحمل قوله أولا «ما أنا بقارئ» على الامتناع، وثانيا: على الإخبار بالنفى المحض، وثالثا: على الاستفهام.

* والحكمة من الغط ثلاثا، شغله عن الالتفات لشىء آخر، وإظهارا للشدة والجد فى الأمر، تنبيها على ثقل القول الذى سيلقى عليه.

وقيل: إبعادا لظن التخيل والوسوسة، لأنهما ليسا من صفات الجسم، فلما وقع ذلك بجسمه علم أنه من أمر الله.

* فإن قلت: من أين عرف- صلى الله عليه وسلم- أن جبريل ملك من عند الله، وليس من الجن؟

فالجواب من وجهين:


(١) هو: الحافظ الحجة، أبو بكر، أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجانى الشافعى، صاحب «المستخرج على صحة البخارى» ، كما أن له تصانيف تشهد له بالإمامة فى الفقه والحديث، توفى سنة (٣٧١ هـ) .
(٢) هو: أبو القاسم، شهاب الدين، عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسى الدمشقى، أحد الأعلام، مؤرخ باحث محدث، توفى سنة (٦٦٥ هـ) .