للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى آخر الزمان» ، قال: وما الفتنة يا رسول الله؟ قال: «يفتك الناس بإمامهم ثم يشتجرون اشتجار أطباق الرأس» ، وخالف- صلى الله عليه وسلم- بين أصابعه، يحسب المسئ أنه محسن، ودم المؤمن عند المؤمن أحلى من شرب الماء البارد.

فانظر إلى هذا التعبير البارز من مشكاة النبوة، محشوّا حلاوة الحق، مكسوّا طلاوة الصدق مجلوّا بأنوار الوحى. والأسفع: الذى أصاب جسده لون آخر. والأحوى: الأسود الذى ليس بالشديد. والمسكتان: السواران من ذهب. وأطبق الرأس: عظامه. والاشتجار: الاختلاف والاشتباك. فإن قلت:

تعبيره- صلى الله عليه وسلم- السوارين هنا يرجع إلى بشرى، وعبرهما بالكذابين فيما مر.

أجيب: بأن النعمان بن المنذر كان ملك العرب، وكان مملكا من جهة الأكاسرة، وكانوا يسورون الملوك ويحلونهم، وكان السواران من زى النعمان ليسا بمنكرين فى حقه، ولا موضوعين فى غير موضعهما عرفا، وأما النبى فنهى عن لباس الذهب لآحاد أمته فجدير أن يهمه ذلك لأنه ليس من زيه، فاستدل به على أمر يوضع فى غير موضعه، ولكن حمدت العاقبة بذهابهما، ولله الحمد.

ومن ذلك: ما روى عن قيس بن عباد- بضم العين وتخفيف الموحدة- قال: كنت فى حلقة فيها سعد بن مالك وابن عمر، فمر عبد الله بن سلام فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فقلت له: إنهم قالوا كذا وكذا، قال:

سبحان الله، ما كان ينبغى لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأنما عمود وضع فى روضة خضراء، فنصب فيها، وفى رأسها عروة، وفى أسفلها منصف- والمنصف الوصيف- فقال: ارقه، فرقيته حتى أخذت بالعروة، فقصصتها على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى» «١» . رواه البخارى.


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٧٠١٠) فى التعبير، باب: الخضر فى المنام والروضة الخضراء، ومسلم (٢٤٨٤) فى فضائل الصحابة، باب: من فضائل عبد الله بن سلام- رضى الله عنه-.