وتعقبه القرطبى بأن أول أمر دهم الإسلام موت النبى- صلى الله عليه وسلم-، ثم بعد موته موت عمر، لأن بموته- صلى الله عليه وسلم- انقطع الوحى وكان أول ظهور الشر ارتداد العرب وغير ذلك، وبموت عمر سل سيف الفتنة بقتل عثمان. وكان من قضاء الله وقدره ما كان وما يكون.
وأما قوله:«دجالون كذابون قريب من ثلاثين» فقد جاء عددهم معينا من حديث حذيفة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يكون فى أمتى دجالون كذابون سبعة وعشرون، منهم أربع نسوة. وأنا خاتم النبيين لا نبى بعدى» .
أخرجه الحافظ أبو نعيم وقال: هذا حديث غريب قال القاضى عياض: هذا الحديث قد ظهر، فلو عدّ من تنب من زمن النبى- صلى الله عليه وسلم- إلى الآن من اشتهر بذلك لوجد هذا العدد، ومن طالع كتب التاريخ عرف صحة هذا.
وقوله:«حتى يقبض العلم» فقد قبض ولم يبق إلا رسمه. وأما:
«الزلازل» فوقع منها شئ كثير، وقد شاهدنا بعضها. وأما قوله:«حتى يكثر فيكم المال فيفيض وحتى يهم رب المال من يقبل صدقته» فهذا مما لم يقع.
وقوله:«حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتنى مكانه» لما يرى من عظيم البلاء ورياسة الجهلاء وخمول العلماء وغير ذلك، مما ظهر كثير منه.
وفى حديث أبى هريرة عند الشيخين أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:«لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من الحجاز تضئ لها أعناق الإبل ببصرى»«١» .
وقد خرجت نار عظيمة على قرب مرحلة من المدينة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة فى ليلة الأربعاء بعد العشاء ثالث جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، وفى يوم الثلاثاء اشتدت حركتها، وعظمت رجفتها، وتتابعت حطمتها، وارتجت الأرض بمن عليها، وعجت الأصوات لباريها، ودامت الحركة إثر الحركة، حتى أيقن أهل المدينة بوقوع الهلكة، وزلزلوا زلزالا شديدا، من جملة ثمانية عشر حركة فى يوم واحد دون ليلته.
(١) صحيح: أخرجه البخارى (٧١١٨) فى الفتن، باب: خروج النار، ومسلم (٢٩٠٢) فى الفتن، باب: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز.