قال: أما التلفظ بالنية فلا نعلم أنه روى عنه- صلى الله عليه وسلم-، وأما كونه أتى بها فقد قال الإمام فخر الدين الرازى فى «المعالم» : اعلم أنا إذا أردنا أن نقول فى أمر من الأمور: هل فعله الرسول- صلى الله عليه وسلم-؟ قلنا فى إثباته طرق:
الأول: أنا إذا أردنا أن نقول إنه- صلى الله عليه وسلم- توضأ مع النية والترتيب، قلنا:
لا شك أن الوضوء مع النية والترتيب أفضل، والعلم الضرورى حاصل بأن أفضل الخلق لم يواظب على ترك الأفضل طول عمره، فثبت أنه أتى بالوضوء المرتب المنوى، ولم يثبت عندنا أنه أتى بالوضوء العارى عن النية والترتيب، والشك لا يعارض اليقين، فثبت أنه أتى بالوضوء المرتب المنوى، فوجب أن يجب علينا مثله.
والطريق الثانى: أن نقول: لو أنه- صلى الله عليه وسلم- ترك النية والترتيب وجب علينا تركه للدلائل الدالة على وجوب الاقتداء به، ولما لم يجب علينا تركه ثبت أنه ما تركه، بل فعله. وفى الصحيحين وغيرهما من حديث عمر مرفوعا «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»«١» . قال البخارى:
«فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام» .
وأشار بذكر الوضوء إلى خلاف من لم يشترط فيه النية، كما نقل عن الأوزاعى وأبى حنيفة وغيرهما. وحجتهم: أنه ليس عبادة مستقلة، بل وسيلة إلى عبادة كالصلاة. ونوقضوا بالتيمم، فإنه وسيلة، وقد اشترط الحنفية فيه النية. واستدل الجمهور على اشتراط النية فى الوضوء بالأدلة الصحيحة المصرحة بوعد الثواب عليه فلا بد من قصد يميزه ليحصل الثواب الموعود به.
وقوله:«إنما الأعمال بالنيات» ليس المراد منه نفى ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية، بل المراد نفى أحكامها كالصحة والكمال. ولكن الحمل على نفى الصحة أولى لأنه أشبه بنفى الشئ نفسه، ولأن اللفظ دل على نفى الذات بالصريح وعلى نفى الصفات بالتبع، فلما منع الدليل نفى الذات بقيت دلالته على نفى الصفات مستمرة.
(١) صحيح: أخرجه البخارى (١) فى بدء الوحى، باب: بدء الوحى، ومسلم (١٩٠٧) فى الإمارة، باب: قوله- صلى الله عليه وسلم-: «إنما الأعمال بالنية» .