للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرها من أم القرآن فهو مخير بين القراءة والترك. فحينئذ الخلاف فيها كالخلاف فى حرف من حروف القرآن، وكلا القولين صحيح ثابت لا مطعن على مثبته ولا على منفيه. ولا ريب أن النبى- صلى الله عليه وسلم- تارة قرأ بها، وتارة لم يقرأ بها، هذا هو الإنصاف.

ثم قال: والمستيقن الذى يجب المصير إليه، أن كلّا من العملين ثابت، لأنه لا يختلف اثنان من أهل الإسلام أن هذه القراآت السبع كلها حق مقطوع بها من عند الله، وليست هذه أول كلمة ولا أول حرف اختلف فى إثباته وحذفه، وقلّ سورة من القرآن ليس فيها ذلك، كلفظ «هو» فى سورة الحديد لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ «١» ، ولفظ «من» فى سورة التوبة، فى قوله تعالى: جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ «٢» ، وألفات عديدة، وواوات، وهاآت كذلك، وكل هذا من نتيجة كون القرآن أنزل على سبعة أحرف، وهذا هو الذى يدلك على بطلان قول من لم يجعلها من الفاتحة لموضع اختلاف الناس فيها، وقوله: إن الاختلاف لا يثبت معه قرآن «٣» ، فما أدرى ما هذا الظن. وهذا الذى ذكرناه هو الذى يريحك من تلك التقريرات من الجانبين.

ثم قال: ولا ريب أن الواقع من النبى- صلى الله عليه وسلم- كلا الأمرين، من الجهر والإسرار، فجهر وأسر، غير أن إسراره كان أكثر من جهره، وقد صح فى الجهر أحاديث، لا مطعن فيها لمنصف نحو ثلاثة أحاديث، كما أنه قد صح فى الإسرار بها أحاديث لا مطعن فيها لعار من العصبية، ولا يلتفت لمن يقول: إن الواقع من النبى- صلى الله عليه وسلم- كان الجهر فقط، انتهى. وقيل لبعض العارفين: بماذا ترى ظهر اسم الإمام الشافعى وغلب ذكره؟ أرى ذلك بإظهار اسم الله فى البسملة لكل صلاة. انتهى.


(١) سورة الحديد: ٢٤.
(٢) سورة التوبة: ٧٢.
(٣) يشير إلى أبى بكر بن العربى، صاحب تفسير أحكام القرآن.