للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مما يشغل قلبه فلا يكره التغميض قطعا بل ينبغى أن يكون مستحبّا فى هذه الحالة.

وقد كانت صلاته- صلى الله عليه وسلم- متوسطة، عارية عن الغلو كالوسوسة فى عقد النية، ورفع الصوت بها، والجهر بالأذكار والدعوات التى شرعت سرّا، وتطويل ما السنة تخفيفه، كالتشهد الأول، إلى غير ذلك مما يفعله كثير ممن ابتلى بداء الوسوسة، عافانا الله منها.

وهى نوع من الجنون، وصاحبها بلا ريب مبتدع مستنبط فى أفعاله وأقواله شيئا لم يفعله النبى- صلى الله عليه وسلم-، ولا أحد من أصحابه. وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: «إن خير الهدى هدى محمد- صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها» «١» وعنه: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار» «٢» . ومما نسب لإمام الحرمين: الوسوسة نقص فى العقل، أو جهل بأحكام الشرع. ومن غرائب ما يقع لهؤلاء الموسوسين، أن بعضهم يشتغل بتكرير الطهارة حتى تفوته الجماعة، وربما فاته الوقت، ومنهم من يشتغل بالنية حتى تفوته التكبيرة الأولى، وربما تفوته ركعة أو أكثر، ومنهم من يحلف أن لا يزيد على هذه التكبيرة ثم يكذب.

ثم من العجب أن بعضهم يتوسوس فى حال قيامه حتى يركع الإمام، فإذا خشى فوات الركوع كبر سريعا وأدركه، فمن لم يحصل له النية فى القيام الطويل حال فراغ باله، فكيف حصلت له فى الوقت الضيق مع شغل باله بفوات الركعة.

ومنهم من يكثر التلفظ بالتكبير، حتى يشوش على غيره من المأمومين، ولا ريب أن ذلك مكروه، ومنهم من يزعج أعضاءه، ويحنى جبهته، ويقيم


(١) صحيح: وهو جزء من حديث أخرجه مسلم (٨٦٧) فى الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة، من حديث جابر- رضى الله عنه-.
(٢) صحيح: أخرجه ابن ماجه (٤٦) فى المقدمة، باب: اجتناب البدع والجدل، من حديث ابن مسعود- رضى الله عنه-، وللحديث شواهد من حديث العرباض بن سارية أخرجه أصحاب السنن.