وقد استشكل الخطابى أصل هذه الخشية، مع ما ثبت فى حديث الإسراء، من أن الله تعالى قال:(هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدى) فإذا أمن التبديل كيف يقع الخوف من الزيادة، وهذا يدفع فى صدور الأجوبة المتقدمة.
وقد أجاب عنه الخطابى: بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه- صلى الله عليه وسلم-، وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها- يعنى عند المواظبة- فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك فى الواجب من طريق الأمر بالاقتداء به، لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر، فتجب عليه ولا يلزم من ذلك زيادة فرض فى أصل الشرع.
قال: وفيه احتمال آخر، وهو أن الله تعالى فرض الصلاة خمسين، ثم حط معظمها بشفاعة نبيه- صلى الله عليه وسلم-، فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت ما استعفى لهم نبيهم- صلى الله عليه وسلم- منه، لم يستنكر أن يثبت ذلك فرضا عليهم.
قال الحافظ ابن حجر: وقد تلقى هذين الجوابين عن الخطابى جماعة كابن الجوزى، وهو مبنى على أن قيام الليل كان واجبا على النبى- صلى الله عليه وسلم-، وعلى وجوب الاقتداء بأفعاله، وفى كل من الأمرين نزاع.
ثم أجاب منه بثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد فى المسجد جماعة شرطا فى صحة التنفل بالليل، قال: ويومئ إليه قوله فى حديث زيد بن ثابت: «حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس فى بيوتكم»«١» فمنعهم من التجمع فى
(١) صحيح: أخرجه البخارى (٧٣١) فى الأذان، باب صلاة الليل، والنسائى (١٥٩٩) فى قيام الليل وتطوع النهار، باب: الحث على الصلاة فى البيوت والفضل فى ذلك من حديث زيد بن ثابت- رضى الله عنه-.