للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى قوله: - صلى الله عليه وسلم- «يخوف الله بها عباده» رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادى لا يتأخر ولا يتقدم، إذ لو كان كما يقولون لم يكن فى ذلك تخويف.

وقد رد عليهم ابن العربى وغيره، بما فى حديث أبى موسى عند البخارى، حيث قال فيه: «فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة» قالوا: فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع، ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة معنى، يعنى كما فى حديث أسماء عند البخارى «لقد أمر النبى- صلى الله عليه وسلم- بالعتاقة فى كسوف الشمس» «١» وكما عنده أيضا من حديث عائشة مرفوعا: «فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا» «٢» فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف، وأن كلما ذكر من أنواع الطاعات يرجى أن يندفع به ما يخشى من أثر ذلك الكسوف.

ومما نقض به ابن العربى وغيره أنهم يزعمون: أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة وإنما يحول القمر بينها وبين أهل الأرض عند اجتماعهما فى العقدتين. فقال: «هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر فى الجرم فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله؟ أم كيف يظلم الكثير بالقليل لا سيما وهو من جنسه؟ وكيف تحجب الأرض نور الشمس.

وقد وقع فى حديث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما يزعم أهل الهيئة، وهو ما أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة والحاكم، بلفظ: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، وإن الله إذا تجلى بشئ من خلقه خشع له» «٣» .


(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٠٥٤) فى الجمعة، باب: من أحب العتاقة فى كسوف الشمس، من حديث أسماء- رضى الله عنها-.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (١٠٤٤) فى الجمعة، باب: الصدقة فى الكسوف. من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (١٠٦٣) فى الجمعة، باب: الصلاة فى كسوف القمر، من حديث أبى بكرة- رضى الله عنه-، ومسلم (٩٠١) فى الكسوف، باب: صلاة الكسوف، من حديث عائشة- رضى الله عنها-، وليس فيها وأن الله إذا تجلى لشىء من خلقه خشع له.