للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا مع المشى، ولم يقل أحد رملت به راحلته، وإنما قالوا: رمل، أى بنفسه.

وقال الشافعى: أما سعيه الذى طاف لمقدمه فعلى قدميه. انتهى.

ولما استلم- صلى الله عليه وسلم- الحجر مضى على يمينه، فرمل ثلاثا ومشى أربعا.

وكان ابتداء الرمل فى عمرة القضية، لما قدم- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلى الحجر، وأمرهم النبى- صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا بين الركنين ليرى المشركين جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا «١» . رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس.

ولما كان فى حجة الوداع رمل- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فكان سنة مستقلة.

قال الطبرى: قد ثبت أنه- صلى الله عليه وسلم- رمل ولا مشرك يومئذ بمكة، يعنى فى حجة الوداع، فعلم أنه من مناسك الحج، إلا أن تاركه ليس تاركا لعمل، بل لهيئة مخصوصة، فكان كرفع الصوت بالتلبية، فمن لبى خافضا صوته لم يكن تاركا للتلبية بل لصفتها، فلا شئ عليه. انتهى. فلو ترك الرمل فى الثلاث لم يقضه فى الأربع، لأن هيئتها السكينة فلا تغير، والله أعلم.

ولما فرغ- صلى الله عليه وسلم- من طوافه أتى المقام، فقرأ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى «٢» فصلى ركعتين بينه وبين البيت، قرأ فيهما ب قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ «٣» وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ «٤» ثم رجع إلى الركن الذى فيه الحجر فاستلمه. ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ «٥» ، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى


(١) صحيح: أخرجه مسلم (١٢٦٦) فى الحج، باب: استحباب الرمل فى الطواف والعمرة، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.
(٢) سورة البقرة: ١٢٥.
(٣) سورة الكافرون: ١.
(٤) سورة الإخلاص: ١.
(٥) سورة البقرة: ١٥٨.