للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم خرج- صلى الله عليه وسلم-، وقد أخذ الله على أبصارهم، فلم يره أحد منهم، ونثر على رؤسهم كلهم ترابا كان فى يده، وهو يتلو قوله تعالى: يس إلى قوله تعالى: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ «١» . ثم انصرف- عليه السّلام- حيث أراد.

فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا:

محمدا، قال: قد خيبكم الله، قد والله خرج محمد عليكم، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟ فوضع كل رجل يده على رأسه، فإذا عليه تراب.

وفى رواية أبى حاتم، مما صححه الحاكم من حديث ابن عباس: فما أصاب رجلا منهم حصاة إلا قتل يوم بدر كافرا.

وفى هذه نزل قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ «٢» الآية.

ثم أذن الله تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم- فى الهجرة. قال ابن عباس: بقوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً «٣» «٤» . أخرجه الترمذى وصححه الحاكم.

فإن قلت ما الحكمة فى هجرته- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وإقامته بها إلى أن انتقل إلى ربه عز وجل؟

أجيب: بأن حكمة الله تعالى قد اقتضت أنه- عليه السّلام- تتشرف به الأشياء، لا أنه يتشرف بها، فلو بقى- عليه السّلام- فى مكة إلى انتقاله إلى ربه لكان يتوهم أنه قد تشرف بمكة، إذ أن شرفها قد سبق بالخليل وإسماعيل،


(١) سورة يس: ١- ٩.
(٢) سورة الأنفال: ٣٠.
(٣) سورة الإسراء: ٨٠.
(٤) أخرجه الترمذى (٢١٣٩) فى التفسير، باب: ومن سورة بنى إسرائيل، وأحمد فى «مسنده» (١/ ٢٢٣) ، والحاكم فى «مستدركه» (٣/ ٤) ، وصححه الحاكم والترمذى.