للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس به، ولها من القرب والاختصاص ما ليس لغيرها، ولأن سياق جابر لحجته- صلى الله عليه وسلم- من أولها إلى آخرها أتم سياق، وأحفظ للقصة وضبطها، حتى ضبط جزئياتها، حتى أقرّ منها ما لا يتعلق بالمناسك، وهو نزوله- صلى الله عليه وسلم- فى الطريق فبال عند الشعب وتوضأ وضوآ خفيفا، فمن ضبط هذا القدر فهو لضبط مكان صلاته الظهر يوم النحر أولى، وأيضا: فإن حجة الوداع كانت فى «آذار» وهو تساوى الليل والنهار، وقد دفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس إلى منى، وخطب بها الناس، ونحر بدنة وقسمها، وطبخ له من لحمها وأكل منه، ورمى الجمرة، وحلق رأسه وتطيب ثم أفاض، وطاف وشرب من ماء زمزم، ووقف عليهم وهم يسقون، وهذه أعمال يظهر منها أنها لا تنقضى فى مقدار يمكن معه الرجوع إلى منى بحيث يدرك الظهر فى فصل آذار.

ورجحت طائفة أخرى قول ابن عمر: بأنه لا يحفظ عنه فى حجته- صلى الله عليه وسلم- أنه صلى الفرض بجوف مكة، بل إنما كان يصلى بمنزله بالمسلمين مدة مقامه، وبأن حديث ابن عمر متفق عليه، وحديث جابر من إفراد مسلم، فحديث ابن عمر أصح منه، فإن رواته أحفظ وأشهر، وبأن حديث عائشة قد اضطرب فى وقت طوافه، فروى عنها أنه طاف نهارا، وفى رواية عنها: أنه أخر الطواف إلى الليل، وفى رواية عنها: أنه أفاض من آخر يومه، فلم تضبط فيه وقت الإفاضة، ولا مكان الصلاة. وأيضا: فإن حديث ابن عمر أصح منه بلا نزاع، لأن حديث عائشة من رواية محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، وابن إسحاق مختلف فى الاحتجاج به، ولم يصرح بالسماع، بل عنعنه، فلا يقدم على حديث عبد الله بن عمر، انتهى.

ثم رجع- صلى الله عليه وسلم- إلى منى، فمكث بها ليالى أيام التشريق، يرمى الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية، فيطيل القيام ويتضرع، ويرمى الثالثة فلا يقف عندها «١» .

رواه أبو داود من حديث عائشة. وعن ابن عمر- عند الترمذى-: كان


(١) أخرجه أبو داود (١٩٧٣) فى المناسك، باب: فى رمى الجمار. من حديث عائشة- رضى الله عنها-. قال الألبانى: صحيح إلا قوله حين صلى الظهر فهو منكر.