قال: سئل ابن عمر: كم اعتمر النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: عمرتين، فبلغ عائشة فقالت: لقد علم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعتمر ثلاثا سوى التى قرنها بحجة الوداع.
وقد ذكرت الاختلاف فيما كان- صلى الله عليه وسلم- محرما به فى حجة الوداع.
والجمع بين ما اختلف فيه من ذلك. والمشهور عن عائشة أنه- صلى الله عليه وسلم- كان مفردا، وحديثها هذا يشعر بأنه كان قارنا، وكذا ابن عمر قد أنكر على أنس لكونه قال:«إنه- صلى الله عليه وسلم- كان قارنا» مع أن حديثه هذا المتقدم يدل على أنه كان قارنا، لأنه لم ينقل أنه- صلى الله عليه وسلم- اعتمر مع حجته، ولم يكن متمتعا لأنه- صلى الله عليه وسلم- اعتذر عن ذلك بكونه ساق الهدى.
واحتاج بعضهم إلى تأويل ما وقع عن عائشة وابن عمر هنا فقال: إنما يجوز نسبة العمرة الرابعة إليه- صلى الله عليه وسلم- باعتبار أنه أمر الناس بها وعملت بحضرته، لا أنه- صلى الله عليه وسلم- اعتمرها بنفسه. وأنت إذا تأملت ما تقدم من أقوال الأئمة فى حجته- صلى الله عليه وسلم- من الجمع استغنيت عن هذا التأويل المتعسف.
قال بعض العلماء المحققين: وفى عدهم عمرة الحديبية التى صدّ عنها- صلى الله عليه وسلم- ما يدل على أنها عمرة تامة. وفيه إشارة إلى حجة قول الجمهور: أنه لا يجب القضاء على من صدّ عن البيت خلافا للحنفية، ولو كانت عمرة القضية بدلا عن عمرة الحديبية لكانتا واحدة، وإنما سميت عمرة القضية والقضاء لأن النبى- صلى الله عليه وسلم- قاضى قريشا فيها، لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التى صدّ عنها، إذ لو كان كذلك لكانت عمرة واحدة. وأما حديث أبى داود عن عائشة: أنه اعتمر فى شوال، فإن كان محفوظا فلعله يريد عمرة الجعرانة حين خرج فى شوال، ولكن إنما أحرم فى ذى القعدة.
وأنكر ابن القيم أن يكون- صلى الله عليه وسلم- اعتمر فى رمضان، نعم قد أخرج الدار قطنى من طريق العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن أبيه عن عائشة قالت: خرجت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى عمرة رمضان فأفطر