للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما قدم أبو سفيان بن الحارث من بدر لمكة، سأله أبو لهب عن خبر قريش.

فقال: والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤا، ويأسروننا كيف شاؤا، وايم الله- مع ذلك- ما لمت الناس. لقينا رجال بيض على خيل بلق «١» بين السماء والأرض، والله لا يقوم لها شىء.

قال أبو رافع- مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان غلاما للعباس بن عبد المطلب قال: وكان الإسلام قد دخلنا- فقلت: والله تلك الملائكة. فرفع أبو لهب يده فضربنى فى وجهى ضربة، فقامت أم الفضل إلى عمود فضربت به فى رأس أبي لهب وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيده.

قال: فو الله ما عاش إلا سبع ليال، حتى رماه الله بالعدسة، وهى قرحة كانت العرب تتشاءم بها. وقيل إنها تعدى أشد العدوى، فتباعد عنه بنوه حتى قتله الله، وبقى بعد موته ثلاثا لا تقرب جنازته ولا يحاول دفنه. فلما خافوا السبة فى تركه حفروا له ثم دفعوه بعود فى حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه.

وقال ابن عقبة: أقام النوح على قتلى قريش شهرا.

ثم سرية عمير بن عدى الخطمى، وكانت لخمس ليال بقين من رمضان، على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة، إلى عصماء بنت مروان- زوج يزيد ابن زيد الخطمى- وكانت تعيب الإسلام، وتؤذى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فجاءها ليلا، وكان أعمى، فدخل عليها بيتها، وحولها نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه، فجسها بيده، ونحى الصبى عنها، ووضع سيفه على صدرها، حتى أنفذه من ظهرها. ثم صلى الصبح معه- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة وأخبره بذلك، فقال:

«لا ينتطح فيها عنزان» «٢» أى لا يعارض فيها معارض ولا يسأل عنها فإنها هدر.


(١) البلق: سواد وبياض، وارتفاع التحجيل إلى الفخذين.
(٢) أخرج القصة ابن عساكر بنحوه، كما فى «كنز العمال» (٢٥٤٩١) .