للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واشتغل المشركون بقتلى المسلمين يمثلون بهم، يقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون البطون وهم يظنون أنهم أصابوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأشراف أصحابه.

وكان أول من عرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كعب بن مالك، قال عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتى: يا معشر المسلمين، هذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فلما عرفوه نهضوا ونهض معهم نحو الشعب، معه أبو بكر وعمر وعلى ورهط من المسلمين، فلما أسند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى الشعب أدركه أبى بن خلف وهو يقول: أين محمد، لا نجوت إن نجا، فقالوا: يا رسول الله، يعطف عليه رجل منا؟ فقال- صلى الله عليه وسلم-: دعوه، فلما دنا تناول- صلى الله عليه وسلم- الحربة من الحارث بن الصمة، فلما أخذها منه- عليه السّلام- انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله عليه الصلاة والسلام-، فطعنه طعنة وقع بها عن فرسه ولم يخرج له دم فكسر ضلعا من أضلاعه.

فلما رجع إلى قريش قال: قتلنى والله محمد، أليس قد كان قال لى بمكة: أنا أقتلك، فو الله لو بصق على لقتلنى. فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به إلى مكة «١» . رواه البيهقى وأبو نعيم ولم يذكر: فكسر ضلعا من أضلاعه.

قال الواقدى: وكان ابن عمر يقول: مات أبى بن خلف ببطن رابغ، فإنى لأسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل إذا نار تأجج لى لهبها فهبتها، وإذا رجل يخرج منها فى سلسلة يجتذبها يصيح العطش، وإذا رجل يقول:

لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، هذا أبى بن خلف، ورواه البيهقى.

ولما انتهى- صلى الله عليه وسلم- إلى فم الشعب ملأ على بن أبى طالب درقته من


(١) أخرجه البيهقى فى «الدلائل» (٣/ ٢٥٨) .