للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن ابن عباس قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم فى أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب فى ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا فى الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب، قال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله عز وجل هذه الآيات وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا «١» » «٢» .

قال بعض من تكلم على هذا الحديث: قوله: ثم تأوى إلى قناديل، يصدقه قوله تعالى وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ «٣» وإنما تأوى إلى تلك القناديل ليلا وتسرح نهارا، وبعد دخول الجنة فى الآخرة لا تأوى إلى تلك القناديل، وإنما ذلك فى البرزخ.

وقال مجاهد: الشهداء يأكلون من ثمر الجنة وليسوا فيها.

وقد رد هذا القول، ويشهد له ما وقع فى مسند ابن أبى شيبة وغيره:

أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الشهداء بنهر أو على نهر يقال له بارق عند باب الجنة، فى قباب خضر يأتيهم رزقهم منها بكرة وعشيّا» «٤» .

قال الحافظ عماد الدين بن كثير: كأن الشهداء أقسام، منهم من تسرح أرواحهم فى الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هنالك، ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح.

قال: وقد روينا فى مسند الإمام أحمد حديثا فيه بشرى لكل مؤمن بأن


(١) سورة آل عمران: ١٦٩.
(٢) حسن: أخرجه أبو داود (٢٥٢٠) فى الجهاد، باب: فى فضل الشهادة، وأحمد فى «مسنده» (١/ ٢٦٥) ، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(٣) سورة الحديد: ١٩.
(٤) حسن: أخرجه أحمد فى «مسنده» (١/ ٢٦٦) ، وابن حبان فى «صحيحه» (٤٦٥٨) ، والحاكم فى «مستدركه» (٢/ ٨٤) ، والطبرانى فى «الأوسط» (١٢٣) ، وفى «الكبير» (١٠/ ٣٣٣) ، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما- بسند حسن.