وفيه- كما قدمناه فى غزوة بدر- أن قتال الملائكة معه- صلى الله عليه وسلم- لا يختص بيوم بدر، خلافا لمن زعمه، كما نص عليه النووى فى شرح مسلم كما قدمته والله أعلم.
ولما بكى المسلمون على قتلاهم سر بذلك المنافقون وظهر غش اليهود.
ذكر القاضى عياض فى الشفاء عن القاضى أبى عبد الله بن المرابط من المالكية أنه قال: من قال إن النبى- صلى الله عليه وسلم- هزم يستتاب فإن تاب وإلا قتل، لأنه تنقص، إذ لا يجوز ذلك عليه فى خاصته، إذ هو على بصيرة من أمره ويقين من عصمته. انتهى.
وهذا موافق لمذهبنا. لكن قال العلامة البساطى من المالكية: هذا القائل إن كان يخالف فى أصل المسألة، أعنى حكم الساب، فله وجه، وإن وافق على أن الساب لا تقبل توبته فمشكل انتهى.
وقد كان فى قصة أحد، وما أصيب به المسلمون من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة.
منها: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهى، لما وقع من ترك الرماة موقعهم الذى أمرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألايبرحوا منه.
ومنها: أن عادة الرسل أن تبتلى ثم تكون لهم العافية، والحكمة فى ذلك أن لو انتصروا دائما لدخل المسلمين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين ليتميز الصادق من الكاذب. وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيّا عن المسلمين فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول حتى عاد التلويح تصريحا، وعرف المسلمون أن لهم عدوّا فى دارهم، واستعدوا لهم وتحرزوا منهم.
ومنها: أن فى تأخير النصر فى بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها فلما ابتلى المسلمون صبروا وجزع المنافقون.