للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما لم يؤاخذه- صلى الله عليه وسلم- بما صنع، وعفا عنه، لشدة رغبته- عليه الصلاة والسلام- فى استئلاف الكفار ليدخلوا فى الإسلام.

وفى رواية أبى اليمان عند البخارى- فى الجهاد- قال: من يمنعك منى ثلاث مرات «١» . وهو استفهام إنكارى، أى لا يمنعك منى أحد.

وقد كان الأعرابى قائما على رأسه والسيف فى يده والنبى- صلى الله عليه وسلم- جالس لا سيف معه.

ويؤخذ من مراجعة الأعرابى له فى الكلام أن الله سبحانه منع نبيه، وإلا فما الذى أحوجه إلى مراجعته مع احتياجه إلى الخطوة عند قومه بقتله.

وفى قوله- صلى الله عليه وسلم- فى جوابه: الله، أى يمنعنى منك، إشارة إلى ذلك، ولذلك لما أعادها الأعرابى فلم يزده على ذلك الجواب، وفى ذلك غاية التهكم وعدم المبالاة به.

وذكر الواقدى فى نحو هذه القصة أنه أسلم، ورجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير. وقال فيه: إنه رمى بالزلخة حين هم بقتله- صلى الله عليه وسلم-، فندر السيف من يده وسقط إلى الأرض. والزلخة- بضم الزاى وتشديد اللام- وجع يأخذ فى الصلب.

وقال البخارى: قال مسدد عن أبى عوانة عن أبى بشر: اسم الرجل غورث بن الحارث، أى على وزن جعفر.

وحكى الخطابى فيه: غويرث، بالتصغير. وقد تقدم فى غزوة غطفان وهى غزوة ذى أمر بناحية نجد مثل هذه القصة لرجل اسمه دعثور، وأنه قام على رأسه- صلى الله عليه وسلم-، بالسيف فقال: من يمنعك منى؟ فقال: - صلى الله عليه وسلم-: الله، ودفع جبريل فى صدره فوقع السيف من يده وأنه أسلم.

قال فى عيون الأثر: والظاهر أن الخبرين واحد.


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٢٩١٠) فى الجهاد والسير، باب: من علق سيفه بالشجر فى السفر عند القائلة.