وأرسلوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن ابعث إلينا أبا لبابة- وهو رفاعة بن عبد المنذر- نستشيره فى أمرنا.
فأرسله إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون فى وجهه، فرقّ لهم، وقالوا يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه: إنه الذبح.
قال أبو لبابة: فو الله ما زالت قدماى من مكانهما حتى عرفت أنى قد خنت الله ورسوله.
ثم انطلق أبو لبابة على وجهه فلم يأت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى ارتبط فى المسجد إلى عمود من عمده، وقال: لا أبرح من مكانى هذا حتى يتوب الله على مما صنعت وعاهد الله ألايطأ بنى قريظة أبدا، ولا أرى فى بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا.
فلما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خبره، وكان قد استبطأه قال:«أما لو جاءنى لاستغفرت له، وأما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالذى أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه»«١» .
قال: وأقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال، تأتيه امرأته فى وقت كل صلاة فتحله للصلاة ثم تعود فتربطه بالجذع.
وقال أبو عمر: روى وهب عن مالك عن عبد الله بن أبى بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ثقيلة بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه، فما كاد يسمع، وكاد يذهب بصره، وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة، أو أراد أن يذهب لحاجة، فإذا فرغ أعادته.
وعن يزيد بن عبد الله بن قسيط: أن توبة أبى لبابة نزلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو فى بيت أم سلمة. قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله
(١) انظر القصة فى «دلائل النبوة» للبيهقى (٤/ ١٦) ، وابن هشام فى «سيرته» (٣/ ١٨٨- ١٩٠) .