للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال مجاهد «١»

: بكى آدم مائة عام لا يرفع رأسه إلى السماء، وأنبت الله من دموعه العود الرطب والزنجبيل والصندل وأنواع الطيب، وبكت حواء حتى أنبت الله من دموعها القرنفل والأفاوى.

يا بنى آدم، انظروا كيف بكى أبوكم آدم على فعلة واحدة ثلاثمائة سنة، فكيف بكم يا أرباب الكبائر العظيمة؟ فاعتبروا يا أولى الأبصار، كان كلما رأى الملائكة تصعد وتهبط ازداد شوقا إلى الأوطان، وتذكر العهد والجيران، يا أصحاب الذنوب احذروا زلة يقول فيها الحبيب: هذا فراق بينى وبينك، فيا ذا العقل السليم، انظر كيف جلس أبوك آدم على سرير المملكة، فمد يده إلى لقمة نهى عنها فأخرج من الجنة، فاحذروا يا بنيه عواقب المعاصى فإنها من نزلت به نزلت به وحطته عن مرتبته.

فإن قلت: هذه الفعلة التى أهبط بها آدم من الجنة، إن كانت كبيرة فالكبيرة لا تجوز على الأنبياء، وإن كانت صغيرة فلم جرى عليه ما جرى بسببها، من نزع اللباس والإخراج من الجنة وغير ذلك؟

أجاب الزمخشرى «٢» : بأنها ما كانت إلا صغيرة، مغمورة بأعمال قلبه من الإخلاص والأفكار الصالحة التى هى أجل الطاعات، وأعظم الأعمال، وإنما جرى عليه ما جرى تعظيما للخطيئة، وتفظيعا لشأنها وتهويلا، ليكون ذلك لطفا له ولذريته فى اجتناب الخطايا، واتقاء الماثم.

يا هذا، انظر كم لله من لطف وحكمة فى إهباط آدم من الجنة إلى الأرض، لولا نزوله لما ظهر جهاد المجاهدين، واجتهاد العابدين المجتهدين، ولا صعدت زفرات أنفاس التائبين، ولا نزلت قطرات دموع المذنبين، يا آدم إن كنت أهبطت من دار القرب فإنى قريب، أجيب دعوة الداع، إن كان


(١) هو: مجاهد بن جبير، شيخ القراء والمفسرين، روى عن ابن عباس، وعنه أخذ القرآن والتفسير والفقه، مات وهو ساجد سنة (١٠٢ هـ) .
(٢) هو: كبير المعتزلة، أبو القاسم، محمود بن عمر بن محمد الزمخشرى النحوى، صاحب «الكشاف» و «المفضل» ، كان رأسا فى البلاغة والعربية والمعانى والبيان، كما كان داعيا إلى الاعتزال، مات سنة (٥٣٨ هـ) .