للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن بطال: واستعذاب الماء لا ينافى الزهد، ولا يدخل في الترفه المذموم، بخلاف تطييب الماء بالمسك ونحوه، فقد كرهه مالك لما فيه من السرف. وأما شرب الماء الحلو وطلبه فمباح قد فعله الصالحون. وليس فى شرب الماء المالح فضيلة. وقد كان- صلى الله عليه وسلم- يشرب العسل الممزوج بالماء البارد.

قال ابن القيم: وفى هذا من حفظ الصحة ما لا يهتدى إلى معرفته إلا أفاضل الأطباء، فإن شرب العسل ولعقه على الريق يزيل البلغم ويغسل خمل المعدة، ويجلو لزوجتها ويدفع عنها الفضلات، ويسخنها باعتدال ويفتح سددها، والماء البارد رطب يقمع الحرارة ويحفظ البدن. وقالت عائشة: كان أحب الشراب إليه- صلى الله عليه وسلم- الحلو البارد «١» . رواه الترمذى. ويحتمل أن تريد به الماء الممزوج بالعسل أو الذى نقع فيه التمر والزبيب. وكان ينبذ له أول الليل ويشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التى تجىء، والغد إلى العصر، فإن بقى شىء سقاه الخدام أو أمر به فصب «٢» . رواه مسلم.

وهذا النبيذ: هو ماء يطرح فيه تمر يحليه، وله نفع عظيم فى زيادة القوة، ولم يكن يشربه بعد ثلاث خوفا من تغيره إلى الإسكار. وكان- صلى الله عليه وسلم- يشرب اللبن خالصا تارة، وتارة مشوبا بالماء البارد، لأن اللبن عند الحلب يكون حارا، وتلك البلاد فى الغالب حارة، فكان يكسر حر اللبن بالماء البارد. وعن جابر أنه- صلى الله عليه وسلم- دخل على رجل من الأنصار، ومعه صاحب له، فسلم فرد الرجل وهو يحول الماء فى حائطه، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «إن كان عندك ماء بات فى شنه وإلا كرعنا» فقال: عندى ماء بات فى شن، فانطلق إلى العريش فسكب فى قدح ثم حلب عليه من لبن داجن، فشرب- صلى الله عليه وسلم- «٣» الحديث. رواه البخارى.


(١) صحيح: أخرجه الترمذى (١٨٩٥) فى الأشربة، باب: ما جاء أى الشراب كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وأحمد فى «المسند» (٦/ ٣٨ و ٤٠) ، والحديث أعله الترمذى بالإرسال، وصححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٢٠٠٤) فى الأشربة، باب: إباحة النبيذ الذى لم يشتد ولم يصر مسكرا، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٥٦١٣) فى الأشربة، باب: شرب اللبن بالماء.