رواه «حبب إلى من دنياكم ثلاث» فقد وهم، ولم يقل- صلى الله عليه وسلم-: ثلاث، والصلاة ليست من أمور الدنيا التى تضاف إليها. انتهى، نعم تضاف إليها لكونها ظرفا لوقوعها فقط، فهى عبادة محضة. وقال شيخ الإسلام والحافظ ابن حجر فى تاريخ الكشاف: إن لفظ «ثلاث» لم تقع فى شىء من طرقه، وزيادته مفسدة للمعنى. وكذا قال شيخ الإسلام الولى ابن العراقى فى أماليه، وعبارته: ليست هذه اللفظة وهى «ثلاث» فى شىء من كتب الحديث، وهى مفسدة للمعنى، فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا. وكذا صرح به الزركشى وغيره، كما حكاه شيخنا فى المقاصد الحسنة وأقره.
وقال ابن الحاج فى المدخل: انظر إلى حكمة قوله- صلى الله عليه وسلم- «حبب» ولم يقل: أحببت، وقال:«من دنياكم» فأضافها إليهم دونه- عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن حبه كان خاصا بمولاه تعالى، وجعلت قرة عينه فى الصلاة، فكان- صلى الله عليه وسلم- بشرىّ الظاهر، ملكوتى الباطن. وكان- صلى الله عليه وسلم- لا يأتى إلى شىء من أحوال البشرية إلا تأنيسا لأمته وتشريعا لها، لا أنه محتاج إلى شىء من ذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ «١» فقال: «لكم» ولم يقل: إنى ملك، فلم ينف الملكية عنه إلا بالنسبة إليهم، أعنى فى معانيه- صلى الله عليه وسلم- لا فى ذاته الكريمة، إذ إنه- صلى الله عليه وسلم- يلحق بشريته ما يلحق البشر، ولهذا قال سيدى أبو الحسن الشاذلى فى صفته- صلى الله عليه وسلم-: هو بشر ليس كالأبشار، كما أن الياقوت حجر ليس كالأحجار. وهذا منه- رحمه الله- على سبيل التقريب للفهوم، فدل على أنه- صلى الله عليه وسلم- ملكى الباطن، ومن كان ملكى الباطن ملك نفسه.
انتهى.
وهاهنا لطيفة: روى أنه- صلى الله عليه وسلم- لما قال:«حبب إلى من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عينى فى الصلاة» ، قال أبو بكر: وأنا يا رسول الله حبب إلى من الدنيا: النظر إلى وجهك، وجمع المال للإنفاق عليك،