للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأرشد- صلى الله عليه وسلم- من لم يستطع الباءة إلى الصوم، لأن كثرته تقلل مادة النكاح، وتضعف ما يجده المرء من الحرارة القوية التى تبعثه على النكاح، وخص الشباب فى قوله: «يا معشر الشباب» «١» لأن للشباب من شهوة النكاح ما ليس لغيرهم. وقد ظهر لك أن النكاح أعظم فى الأجر والثواب من الصيام، فإنه- صلى الله عليه وسلم- لم يأمر أولا بالصوم إنما أمر به عند عدم الطول إلى النكاح، وإذا كان النكاح ينوى به التناسل لتكثير هذه الأمة المحمدية فهو بلا شك أفضل.

قال عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-: إنى لأطأ النساء وما لى إليهن حاجة، رجاء أن يخرج الله من ظهرى من يكاثر به محمد- صلى الله عليه وسلم- الأمم يوم القيامة.

ذكره ابن أبى جمرة.

وانظر كون نبينا- صلى الله عليه وسلم- بالإجماع- أعبد الناس، مع ما طبعت عليه بشريته من حب الجماع، وكيف لم يخل بعبادته شيئا، لأنه- صلى الله عليه وسلم- لم يكن يأتيها إلا على مشروعيتها، وهذا هو غاية الكمال فى البشرية، لأنه يرجع ما طبع عليه تابعا لما أمر به.

وقد روى عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا رهبانية فى الإسلام» «٢» . وهى ترك النساء، ولو كان تركهن أفضل لشرع ذلك فى ديننا، إذ هو خير الأديان. وقد قال سليمان- عليه السّلام-: لأطوفن الليلة على مائة امرأة «٣» . رواه البخارى.

وهذا فيه معجزة لسليمان- عليه السّلام-، إذ البشر عاجز عن الطواف على مائة


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٥٠٦٥) فى النكاح، باب: قول النبى- صلى الله عليه وسلم-: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج» ، ومسلم (١٤٠٠) فى النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، من حديث عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه-.
(٢) لم أره بهذا اللفظ: قاله الحافظ ابن حجر، لكن فى حديث سعد بن أبى وقاص عند البيهقى «أن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة» ، نقلا عن «كشف الخفاء» (٣١٥٤) .
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٣٤٢٤) فى أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ، نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ، ومسلم (١٦٥٤) فى الأيمان، باب: الاستثناء، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.