للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى حديث جابر بن عبد الله: سرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقضى حاجته، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان فى شاطئ الوادى فانطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: «انقادى على بإذن الله» فانقادت معه كالبعير المخشوش «١» الذى يصانع قائده، ثم فعل بالآخرى كذلك، حتى إذا كان بالمنصب بينهما قال: «التئما على بإذن الله فالتأمتا» «٢» الحديث رواه مسلم. والمنصف: - بفتح الميم- الموضع الوسط بين الموضعين. والتلاؤم: الاجتماع. ولله در الأبوصيرى حيث قال:

جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ... تمشى إليه على ساق بلا قدم

كأنما سطرت سطرا لما كتبت ... فروعها من بديع الخط فى اللقم

فشبه آثار مشى الشجر لما جاءت إليه- صلى الله عليه وسلم- بكتابة كاتب أوقعها على نسبة معلومة فى أسطر منظومة.

وإذا كانت الأشجار تبادر لامتثال أمره- صلى الله عليه وسلم- حتى تخر ساجدة بين يديه، فنحن أولى بالمبادرة لامتثال ما دعا إليه زاده الله شرفا لديه.

وتأمل قول الأعرابى: «ائذن لى أن أسجد لك» لما رأى من سجود الشجرة، فرأى أنه أحرى بذلك، حتى أعلمه- صلى الله عليه وسلم- أن ذلك لا يكون إلا لله، فحق على كل مؤمن أن يلازم السجود للحق المعبود، ويقوم على ساق العبودية، وإن لم يكن له قدم كما قامت الشجرة.

ومن ذلك: حنين الجذع شوقا إليه «٣» . اعلم أن «الحنين» مصدر مضاف


(١) البعير المخشوش: هو الذى وضع فى أنفه عود خشاش من خشب لينقاد بسهولة.
(٢) صحيح: وهو جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (٣٠١٢) فى الزهد والرقائق باب: حديث جابر الطويل.
(٣) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٣٥٨٣) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام، من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-.