أصدقها، قال: نفسها فأعتقها «١» ؛ هكذا أخرجه البخارى فى المغازى. وفى رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس فى حديثه قال: وصارت صفية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها. قال عبد العزيز لثابت:
يا أبا محمد أنت سألت أنسا ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها، فتبسم. فهو ظاهر جدّا فى أن المجعول مهرا هو نفس العتق. والتأويل الأول لا بأس به، فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى ولو كانت القيامة مجهولة، فإن فى صحة العقد بالشرط المذكور وجها عند الشافعية.
وقال آخرون: بل جعل نفس العتق المهر، ولكنه من خصائصه، وممن جزم بذلك الماوردى. وقال آخرون: قوله: «أعتقها وتزوجها» معناه: أعتقها ثم تزوجها، فلما لم يعلم أنه ساق لها صداقا قال: أصدقها نفسها، أى: لم يصدقها شيئا فيما أعلم، ولم ينف أصل الصداق، ومن ثم قال أبو الطيب الطبرى من الشافعية، وابن المرابط من المالكية ومن تبعهم: أنه قول أنس قاله ظنّا من قبل نفسه ولم يرفعه. ويعارضه ما أخرجه الطبرانى وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت: أعتقنى النبى- صلى الله عليه وسلم- وجعل عتقى صداقى. وهذا موافق لحديث أنس، وفيه رد على من قال: إن أنسا قال ذلك بناء على ظنه.
ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها من غير مهر، فلزمها الوفاء بذلك، وهذا خاص بالنبى- صلى الله عليه وسلم- دون غيره. ويحتمل: أنه أعتقها بغير عوض، وتزوجها بغير مهر فى الحال، ولا فى المال، قال ابن الصلاح: معناه أن العتق حل محل الصداق وإن لم يكن صداقا، قال: وهذا كقولهم الجوع زاد من لا زاد له، قال: وهذا الوجه أصح الأوجه وأقربها إلى لفظ الحديث، وتبعه النووى فى «الروضة» .
وممن جزم بأن ذلك كان من الخصائص يحيى بن أكثم فيما أخرجه البيهقى قال: وكذا نقله المزنى عن الشافعى قال: وموضع الخصوصية، أنه
(١) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٤٢٠١) فى المغازى، باب: غزوة خيبر، وأطرافه (٣٧١ و ٩٤٧ و ٢٢٢٨ و ٤٢٠٠ و ٥٠٨٦ و ٥١٦٩) .