فإن قلت: هذه الآية تنفى الاختلاف فيه، وحديث «أنزل القرآن على سبعة أحرف» المروى فى البخارى عن عمر، يثبته.
فأجاب الجعبرى فى أول شرحه للشاطبية: بأن المثبت اختلاف تغاير، والمنفى اختلاف تناقض، فموردهما مختلف. انتهى.
فإن قلت: فلم اشتغلت الصحابة بجمع القرآن فى الصحف، وقد وعد الله تعالى بحفظه، وما حفظه الله تعالى فلا خوف عليه؟
فالجواب: - كما قال الرازى- إن جمعهم للقرآن كان من أسباب حفظ الله تعالى إياه، فإنه تعالى لما أراد حفظه قيضهم لذلك، قال: وقال أصحابنا:
وفى هذه الآية دلالة قوية على أن البسملة آية من أول كل سورة، لأن الله تعالى قد وعد بحفظ القرآن، والحفظ لا معنى له إلا أن يبقى مصونا عن التغيير، وإلا لما كان محفوظا عن الزيادة، ولو جاز أن يظن بالصحابة أنهم زادوا لوجب أيضا أن يظن بهم النقصان. وذلك يوجب خروج القرآن عن كونه حجة. واختلف فيه، كيف يحفظ القرآن؟
فقال بعضهم: حفظه بأن يجعله معجزا مباينا لكلام البشر، يعجز الخلق عن الزيادة فيه والنقصان منه، لأنهم لو زادوا فيه أو نقصوا منه تغير نظم القرآن، فيظهر لكل العقلاء أن هذا ليس من القرآن. وقال آخرون: أعجز الخلق عن إبطاله وإفاده، بل قيض جماعة يحفظونه ويدرسونه فيما بين الخلق إلى آخر بقاء التكليف. وقال آخرون: المراد بالحفظ هو أن أحدا لو حاول أن يغير بحرف أو نقطة لقال له أهل الدنيا: هذا كذب، حتى إن الشيخ المهيب لو اتفق له تغيير فى حرف منه لقال الصبيان كلهم: أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا، ولم يتفق لشىء، من الكتب مثل هذا الكتاب، فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتغيير والتحريف، وقد صان الله تعالى هذا الكتاب العزيز عن جميع التحريف، مع أن دواعى الملحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده، وقد انقضى الآن ثمانية وتسعون سنة وثمانمائة سنة، وهو بحمد الله فى زيادة من الحفظ.