وعبارة النسفى: ثم إنهم قالوا هذه الآية تدل على أحكام: أولها: أن قوله: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً «١» يتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة. لكنا أجمعنا على أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يكن رسولا إلى الملائكة، بل يكون رسولا إلى الجن والإنس جميعا. وهو عبارة الإمام فخر الدين أيضا.
وقد تعقب الجلال المحلى العلامة كمال الدين بن أبى شريف فقال:
اعلم أن البيهقى نقل ذلك عن الحليمى، فإنه قال: هذا معنى كلام الحليمى، وفى قوله هذا إشعار التبرى من عهدته، وبتقدير أن لا إشعار فيه فلم يصرح بأنه مرضى عنده. وأما الحليمى فإنه وإن كان من أهل السنة فقد وافق المعتزلة فى تفضيل الملائكة على الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-، وما نقله عنه موافق لقوله بأفضلية الملائكة، فلعله بناه عليه.
وأما ما ذكره من حكاية الرازى والنسفى الإجماع على أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يكن مرسلا إليهم، فقد وقع فى نسخ من تفسير الرازى «لكنا بيّنا» بدل «أجمعنا» ، على أن قوله:«أجمعنا» ليس صريحا فى إجماع الأمة، لأن مثل هذه العبارة تستعمل لإجماع الخصمين المتناظرين، بل لو صرح به لمنع، فقد قال الإمام السبكى فى قوله: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً قال المفسرون كلهم فى تفسيرها للجن والإنس، وقال بعضهم وللملائكة، انتهى.
وبالجملة: فالاعتماد على تفسير الرازى والنسفى فى حكاية إجماع انفردا بحكايته أمر لا ينتهض حجة على طريقة علماء النقل، لأن مدارك نقل الإجماع من كلام الأئمة وحفاظ الأمة كابن المنذر وابن عبد البر، ومن فوقهما فى الاطلاع كالأئمة أصحاب المذاهب المتبوعة ومن يلحق بهم فى سعة دائرة الاطلاع والحفظ والإتقان لها من الشهرة عند علماء النقل ما يغنى عن بسط الكلام فيها.
واللائق بهذه المسألة التوقف عن الخوض فيها على وجه يتضمن دعوى القطع فى شىء من الجانبين، انتهى.