[معنى الصلاة على النبي وأصحابه وآله]
ثم قال المؤلف رحمه الله: (صلى الله عليه)، هذا سؤال ودعاء الرب سبحانه وتعالى بأن يصلي على نبيه، وصلاة الله على العبد أصح ما قيل فيها: ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية التابعي الجليل أنه قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:٥٦] يعني: يثنون عليه، والصلاة من الآدمي ومن الملائكة دعاء.
(وعلى آله وأصحابه)، الأصحاب: جمع صاحب، والصحابي أصح ما قيل في تعريفه: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ولو لحظة ومات على الإيمان، ولا يشترط أن يراه، فيدخل في ذلك العميان مثل عبد الله بن أم مكتوم الأعمى فإنه صحابي ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لقيه، ويدخل في ذلك الأعراب الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم، فمن لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على الإيمان فهو صحابي، أما الأعراب الذين ارتدوا والعياذ بالله على أعقابهم وماتوا على الكفر فليسوا من الصحابة.
وآل النبي صلى الله عليه وسلم قيل المراد بآله: ذريته وأقاربه، ويدخل في ذلك زوجاته، ويدخل في ذلك علي وفاطمة والحسن والحسين والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة، وأزواجه كذلك.
وقيل: المراد بالآل: أتباعه على دينه إلى يوم القيامة.
وعطف الآل على الأصحاب من عطف العام على الخاص، وعطف الأصحاب على الآل من عطف الخاص على العام، فقوله: (على آله وأصحابه)، أصحابه داخلون في الآل؛ لأنهم من أتباع دينه، وإذا قيل: وعلى أصحابه وآله، يكون الأصحاب قد ذكروا مرتين: مرة بالخصوص ومرة بالعموم.
وقال: (أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً).
هذا وصفه عليه الصلاة والسلام: أرسله الله بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة يعني أنه نبي الساعة، وسمي نبي الساعة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام هو آخر الأنبياء، والساعة تقوم في آخر أمته؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (بعثت أنا والساعة كهاتين، وقرن بين أصبعه السبابة والوسطى)، وهو بشير لمن أطاعه بالجنة والكرامة، ونذير لمن عصاه بالنار وغضب الله وعقوبته.
قال: [{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب:٤٦]].
{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب:٤٦] حيث أمره الله بذلك، بإذنه وكونه القدري وإذنه الديني الشرعي، وأتباعه عليه الصلاة والسلام كذلك يدعون إلى الله بإذنه.
ووصف بالسراج المنير لأنه عليه الصلاة والسلام هو المبلغ عن الله، وهو المبين لطريق الجنة وطريق النار، فهو السراج يضيء لمن أراد الله هدايته، فمن أراد الله هدايته فإنه يعرف طريق الجنة وطريق النار، فيوحد الله ويخلص له العبادة، ويعمل الأعمال التي ترضي الله؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام سراج منير أنار الطريق، حيث دعا إلى الله وإلى توحيده، وبين الواجبات والمحرمات في كتاب الله الذي أنزله عليه وفي سنته المطهرة، فهو السراج المنير.
قال: (ففتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً).
وفتح الله به أعيناً عمياً وهي أعين الكفار الذين عموا عن الحق، ومن أراد الله هدايته فتح عينه للحق، وفتح به آذاناً صماً وهي آذان الكفار الذين صموا عن سماع الحق، لكن من أراد الله هدايته فتح الله أذنه وسمع الحق.
وفتح به قلوباً غلفاً عليها غلاف وهي قلوب الكفرة، كما قال الله سبحانه أنهم قالوا: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة:٨٨] يعني: عليها غلاف، لكن من أراد الله هدايته فتح الله له وأزال الله هذا الغلاف، فنفذ إليه الحق فآمن وأسلم واستقام.
قال: (تبصر به من العمى وأرشد به من الغي).
والعمى: هو الكفر والمعاصي، والغي: الضلال والانحراف، أي: أرشد بدعوته عليه الصلاة والسلام، وبالكتاب الذي أنزله الله عليه وهو القرآن العظيم والسنة، فهو إرشاد يبين للإنسان الطريق المستقيم حتى لا يسلك طريق الغي.
قال: (وأنقذ به من الضلالة).
أنقذ الله به من الضلالة ومن الكفر، والضلالة: هي الكفر والمعاصي والبدع.
قال: (صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً).
كما سبق، وصلى الله عليه وعلى آله، ولم يذكر أصحابه، وإذا عطف الصحابة على الآل صار من عطف الخاص على العام.
(وسلم تسليماً كثيراً)، هذا: دعاء للنبي بالسلامة، مثل: اللهم سلمه.
قوله: (أما بعد).
هذه كلمة يؤتى بها للانتقال من شيء إلى شيء، واختلف في أول من قالها، قيل: أول من قالها داود النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل: هي فصل الخطاب، وقيل: أول من قالها قس بن ساعدة الإيادي، وقيل غير ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: (أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)، وهي أولى من قوله: (وبعد).
فمن الناس من يقول: وبعد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أما بعد في خطبته، وكذلك العلماء وغيرهم يقولون: أما بعد، وهو انتقال من الخطبة إلى الدخول في الموضوع والصلب.