[الرد على القول بأن سقوط عقوبة الذنب بالحسنة مقيد باجتناب الكبائر]
المؤلف رحمه الله ذكر المرجحات التي تدل على أن المؤمن العاصي لا يخرج عن دائرة الإسلام لا بالمعصية ولا بالكبيرة، وأن النصوص التي وصفت بعض الناس بالإسلام ونفت عنهم الإيمان لا تدل على أنهم من المنافقين بل مضافة إلى الإيمان، واستدل على ذلك: بأن العقوبة على الذنب تسقط بعشرة أسباب، وذكر من هذه الأسباب ثلاثة: التوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية.
ثم ذكر اعتراضاً على القول: بأن الحسنات تمحو السيئات، لما استدل بالنصوص: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود:١١٤]، و: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، و: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، و: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، و: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
وهذه كلها حسنات ماحية تسقط بها عقوبة الذنب، وذكر الاعتراض من بعض الناس وقولهم: إن هذا إنما يكون إذا اجتنبت الكبائر؛ لأن الحديث مقيد: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).
فالحسنات الماحية إنما تخص الصغائر، أما الكبائر فلا بد لها من توبة؛ بدليل أنها قيدت باجتناب الكبائر: (إذا اجتنبت الكبائر)، في حديث: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، وفي حديث الوضوء لما ذكر في الحديث أن الوضوء يكفر السيئات قال: (ما لم تصب المقتلة)، والمقتلة هي الكبيرة.
أجاب المؤلف رحمه الله عن هذا الاعتراض بأجوبة: الجواب الأول: أن شرط اجتناب الكبائر إنما جاء في الفرائض خاصة: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان)، وأما الأعمال الزائدة من التطوعات فلابد أن يكون لها ثواب آخر.
الجواب الثاني: أنه قد جاء التصريح في بعض النصوص بأن المغفرة تكون مع الكبيرة، كحديث: (غفر له وإن فر من الزحف)، وحديث الرجل الذي أوجب، أي: فعل ذنباً أوجب له النار قال: (اعتقوا عنه يعتق الله عنه بكل عضو منه عضواً من النار)، وحديث أبي ذر: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن سرق)، فهذه كبائر.
الثالث: حديث حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين فقال عمر: (دعني أضرب عنقه، قال: وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، فهذه كبيرة، وسماها الله تولياً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:١].
الجواب الرابع: أنه جاء في الحديث: (أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن أكملها وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع، فإن كان له تطوع أكملت به الفرائض)، وهذه التطوعات التي تكمل النقص في الفرائض تكمل الواجب ولا تكمل المستحب، فالمستحب إذا ترك لا يحتاج إلى جبران، وهذا يدل على أنه ترك واجباً من واجبات الصلاة فتجبره النوافل، فدل على أن النوافل لها شأن، وأن الحسنات من التطوعات والأعمال الخيرية يجبر الله بها الواجبات في الصلاة، وكذلك الزكاة والصوم والحج.
ثم ذكر المؤلف اعتراضاً على هذا، وهو: إن الصلاة إذا نقص شيء من واجباتها كمل هذا الواجب من النوافل، واعترض على ذلك؛ لأن العبد إذا نام عن الصلاة أو نسيها فإنه جاء في الحديث: (من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، فلو كان لها بدل من التطوعات ما وجب عليه القضاء، ولو كانت التطوعات تكفي عن الواجبات لكان من نام عن الصلاة أو نسيها نقول له: صل بدلها تطوعات، ولهذا قال المؤلف: قيل هذا خطأ، كونه يترك الفريضة كاملة اكتفاء ببدلها من التطوعات، وإنما هذه تطوعات يكمل بها النقص الذي يحصل في الصلاة، لا أن التطوعات تكفي عن الصلاة.