[بطلان مذهبهم بالأمر بجلد شارب الخمر دون قتله]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلد شارب الخمر ولم يقتله].
هذا هو الدليل الرابع على بطلان مذهب الخوارج: أن شارب الخمر يجلد ولا يقتل ولو كان كافراً لوجب قتله.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [بل قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وغيره: (أن رجلاً كان يشرب الخمر وكان اسمه عبد الله حماراً وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلما أتي به إليه جلده، فأتي به إليه مرة فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله) فنهى عن لعنه بعينه، وشهد له بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع أنه قد لعن شارب الخمر عموماً].
في لفظ آخر: كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً، وهذا الرجل كان كثيراً ما يؤتى به ويجلد في الخمر، فأتي به مرة من المرات وجلد، فقال رجل: لعنه الله، وفي لفظ آخر: (أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)؛ ولأن الحد طهارة يطهره من الذنب، فإذا أقيم عليه الحد طهر، والتوبة طهارة.
والمرأة الغامدية وماعز جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم تائبين، وأقيم عليهما الحد، فاجتمع لكل منهما طهارتان: طهارة التوبة، وطهارة الحد.
وهذا الحد يطهره؛ ولهذا لما لعنه الرجل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)؛ لأن عنده أصل الإيمان، وكل مؤمن عنده أصل المحبة لله ورسوله، فمن لم يحب الله ورسوله فهو كافر، ولا تنتهي محبة الله ورسوله إلا إذا جاء الشرك، والعاصي عنده أصل المحبة، ولذلك اتقى الشرك بسبب حبه لله ورسوله، فإذا جاء الشرك انتهت محبة الله ورسوله نعوذ بالله.
فهذا الرجل وإن كان قد جلد في الخمر فعنده أصل المحبة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنه يحب الله ورسوله)، فنهى عن لعنه بعينه، وشهد له بحب الله ورسوله مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن شارب الخمر عموماً فقال: (لعن الله شارب الخمر وعاصرها ومعتصرها وساقيها)، وهذا على العموم، وفرق بين اللعن للعموم ولعن الخصوص، ففي العموم لا يوجد مانع فلك أن تقول: لعن الله اليهود والنصارى، ولعن الله السارق، كما في الحديث: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده)، ولعن الله شارب الخمر.
لكن فلان بن فلان السارق، وفلان بن فلان شارب الخمر لا يلعن بعينه على الصحيح؛ لأن الشخص المعين قد يتوب، وقد يكون لم يعلم الحكم، وقد يعفو الله عنه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذا من أجود ما يحتج به على أن الأمر بقتل الشارب في الثالثة أو الرابعة منسوخ؛ لأن هذا أتي به ثلاث مرات، وقد أعيا الأئمة الكبار جواب هذا الحديث، ولكن نسخ الوجوب لا يمنع الجواز].
المؤلف رحمه الله استطرد لما ذكر قصة هذا الرجل الذي كان يؤتي به كثيراً ويجلد في الخمر، والجواب عن الحديث الذي ورد: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب الرابعة فاقتلوه) الصواب: أن قتله في الرابعة منسوخ، ودليل ذلك أن هذا الرجل كثيراً ما يؤتي به فيجلد في الخمر ولم يقتله، أي: أنه أتي به مرات كثيرة فيجلد، فلو كان القتل باقياً لقتله، فلما لم يقتله دل على أن الأمر بقتله منسوخ.