[حكم نكاح البغايا والكافرات]
إن كان نكاح الكافرة قد يجوز في بعض الشرائع، كما في شريعة لوط، وفي شريعتنا يجوز للمسلم أن يتزوج الكافرة إذا كانت كتابية يهودية أو نصرانية؛ لقول الله تعالى في سورة المائدة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:٥] أي: إذا كانت من الذين أوتوا الكتاب وهي عفيفة الفراش، فيجوز للمسلم أن يتزوجها، فإن اليهودية والنصرانية أخف كفراً من الوثنية.
فلا يجوز للمسلم أن يتزوج وثنية، ولا مجوسية، ولا شيوعية، ولا غيرها من الكافرات إلا اليهودية والنصرانية بشرط أن تكون محصنة، يعني عفيفة طاهرة في عرضها.
وفي شرع من قبلنا كشريعة لوط وشريعة نوح كان يجوز الزواج من امرأة كافرة.
وأما نكاح البغايا والزانيات فقد صان الله الأنبياء عن أن تكون في بيوتهم بغي، وقد صان الله الأنبياء عن الدياثة.
ولهذا كان الصواب قول من قال من الفقهاء بتحريم نكاح البغي حتى تتوب، فالزانية لا يجوز نكاحها حتى تتوب؛ لقوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:٣] أي: فالزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ما دامت على زناها ولم تتب، ولكن إذا صحت توبتها وظهرت فيجوز أن يتزوجها المسلم.
ومن هذا أن بعض الناس والعياذ بالله يقول: قد يقع رجل مع امرأة في الفاحشة، فإذا علم أهلها أنه عمل بها الفاحشة قالوا: نريد أن نزوجها إياه حتى نستر عليهما، وهذا لا يجوز؛ لأنها هي عاهرة، ولا يتزوج بها، فإنها زانية، ولابد أن يفرق بينهما، حتى تظهر توبتها وصلاحها، وتظهر توبته وصلاحه، ثم بعد ذلك يتزوج هو أو غيره بها.
والولد الذي جاء من السفاح لا يجوز أن ينسب إلى الذي زنى، بل هو لقيط، فيفرق بينهما، وهذا الولد يكون لقيطاً ليس له أب، ولا ينسب إلى أحد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمقصود أن امرأة لوط عليه الصلاة والسلام لم تكن مؤمنة، ولم تكن من الناجين المخرجين، فلم تدخل في قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٣٥] وكانت من أهل البيت المسلمين، وممن وجد فيه؛ ولهذا قال تعالى: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:٣٦] وبهذا تظهر حكمة القرآن، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود].
أي: أن امرأة لوط لم تكن مؤمنة، بل كانت كافرة، ولم تكن من الناجين المخرجين، فلم تدخل في قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٣٥] وهو بيت واحد وفيه امرأة لوط، لكن لما أخرج الله لوطاً وابنتيه لم تخرج المرأة، بل هلكت وأصابها ما أصاب قومها؛ لكفرها وضلالها، فلم تكن من أهل البيت المخرجين، ولكن كانت من أهل البيت المسلمين، وممن وجد فيه؛ ولهذا قال تعالى: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:٣٦] أي: وجدنا في هذه القرية بيتاً من المسلمين.
وسماهم الله مسلمين وفيهم امرأته؛ لأنها أظهرت الإسلام، وهي في الباطن مع قومها، فتجرى عليها أحكام الإسلام.
(وبهذا تظهر حكمة القرآن، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود) أي: لما ذكر الإخراج وصفهم بالإيمان، قال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٣٥]؛ لأن المرأة الكافرة لم تكن معهم، ولما ذكر الوجود ذكر الإسلام؛ لأنها أظهرت الإسلام، فهي معهم في الإسلام الظاهر، والأحكام تجرى على الظاهر.