[أوصاف المنافقين في سورة الفتح]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى في سورة الفتح: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح:٤ - ٦]].
هذه الآيات في سورة الفتح، وقوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:١] المراد بالفتح هنا: صلح الحديبية، وسمي فتحاً لأنه مقدمة الفتح، فلما عقد النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة والصلح بينه وبين الكفار عشر سنين تضع الحرب فيها أوزارها اختلط الكفار بالمسلمين، فلما سمعوا كلام الله وكلام رسوله أسلم منهم عدد كبير، وتفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لفتح خيبر، فحصل خير عظيم، ثم نقضت قريش العهد بعد سنتين، فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم وفتح مكة، وسماه الله فتحاً.
وجاء في بعض الأحاديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أفتح هو؟ قال: نعم)، ولهذا قال الله سبحانه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:١] وهو صلح الحديبية، {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:٢].
وقال فيها سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح:٤ - ٥]، ثم قال سبحانه: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} [الفتح:٦]، فهذا جزاء المنافقين والمشركين، {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح:٦]، وظن السوء هذا جاء تفسيره بأنهم ظنوا أن الله تعالى لا يحفظ رسوله والمؤمنين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سيقتل ويقضى على الإسلام والمؤمنين فلا تبقى للإسلام قائمة، فهذا هو ظن السوء.
فمن كان يظن أن الحق سيقضى عليه، وأن الله يديل الباطل على الحق إدالة مستمرة ينتهي معها الحق ولا يبقى إلا الباطل فقد ظن بالله ظن السوء؛ لأن الله تعالى وعد أنه سينصر دينه، فقال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:٣٣]، فلابد أن يظهر هذا الدين، ولهذا جاء في الحديث: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك بيت مدر ولا شعر إلا أدخله بعز عزيز أو بذل ذليل).
وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى).
فالحق لابد أن يبقى، والطائفة المنصورة باقية إلى قيام الساعة، لكن هذه الطائفة تقل أحياناً وتكثر أحياناً، وتكون مجتمعة أحياناً وتكون متفرقة أحياناً أخرى، فقد تكون مثلاً في بعض الأزمنة في الجزيرة العربية، وقد تكون في الشام، وقد تكون في مصر، وقد تكون في إفريقيا، وقد يكون بعضها هنا وبعضها هناك، وفي آخر الزمان قبيل خروج الدجال تكون في الشام، وقبيل خروج المهدي تحصل الفتن، فأهل الحق يجتمعون في الشام بعد الحروب الطاحنة التي تحصل لهم، وبعد فتح القسطنطينية يخرج الدجال، ثم ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [الفتح:٦] أي: سيعود وبال ظنهم عليهم، فهذا الظن كفر، فمن ظن بالله هذا الظن فقد ظن بالله ظن السوء، فعليه دائرة السوء، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً.
فالواجب على المسلم أن يظن بالله الظن الحق وأن يحسن الظن بربه، وأن يعلم أن هذا الدين لابد أن ينتصر، وأن الله لابد أن يظهر دين الإسلام، وفي الحديث القدسي الصحيح يقول الرب عز وجل: (أنا عند ظن عبدي فليظن بي ما شاء) أو كما جاء في الحديث.
وهذا فيه تحذير لنا من صفات المنافقين، ولهذا بين هذا الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:١٥٤]، وذكر هذه الآية: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح:٦] قال: هو أن يظن بالله أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستمرة، وأنه لا يبقى على الحق أحد.
قال: (ولو فتشت من فتشت لوجدت عنده تعنتاً على القدر واعتراضاً عليه، وأنه ينبغي أن يكون كذا، ولماذا يكون كذا؟) فبعض الناس يعترض على الله: أنه لماذا يكون كذا؟ ولماذا يقدر كذا؟ ولماذا يعطي هذا؟ ولماذا يجعل هذا غنياً؟ ولماذا يجعل هذا فقيراً؟ ثم قال الشيخ رحمه الله: (وفتش نفسك هل أنت سالم)، أي: فتش نفسك هل أنت سالم من هذه الظنون السيئة أو غير سالم.
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلا فإني لأخالك ظالما.
يعني: كل واحد يفتش نفسه ويتفقد حاله من هذه الظنون السيئة بالله.
ومن الظنون السيئة: الاعتراض على الله وعلى قدره وعلى إنعامه على من أنعم عليه، والله تعالى ذكر صفات المنافقين هذه لنحذرها.