[المنافقون يتخذون اليهود والنصارى والكفار أولياء]
قال المؤلف رحمه الله: [وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١]].
في هذه الآية ينهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن أن يتخذوا اليهود والنصارى أولياء يحبونهم بقلوبهم، ثم ينشأ عن تلك المحبة في القلب المساعدة والمعاونة بالرأي أو بالسلاح على المسلمين، فتولي الكفار ردة؛ ولهذا قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١]، وتوليهم هو محبتهم في القلب، فحكم على من تولى الكفار بأنه كافر مثلهم.
وقال: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:٥١]، فالكفار بعضهم أولياء بعض، كما قال سبحانه في الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:٧٣]، وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١]، فالمؤمن ولي لأخيه المؤمن، والكافر ولي لأخيه الكافر، فلا يجوز للمسلم أن يتخذ الكافر ولياً، فإذا اتخذه ولياً وأحبه لدينه، ونشأ عن هذه المحبة المساعدة والمعاونة فإن هذه ردة عن الإسلام، فتولي الكفرة ومحبتهم ردة عن الإسلام.
وأما الموالاة بمعنى المعاشرة والمصادقة بدون محبة القلب فهذه كبيرة من كبائر الذنوب، كما قال سبحانه في آية الممتحنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:١]، وهذا غير البيع والشراء والمعاملة، فلا يلزم منها الموالاة، فإذا باع الإنسان أو اشترى من الكفار عند الحاجة فليس ذلك من الموالاة في شيء إذا كان ذلك مع بغضه لهم ولدينهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عامل اليهود، فعاملهم على شطر ما يخرج من أرض خيبر من ثمر أو زرع، واشترى غنماً من مشرك، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير، فالمعاملة شيء والموالاة شيء آخر.
فالمعاملة كأن يبيع ويشتري منهم عند الحاجة، ولا حرج في ذلك إذا كان الكافر ليس بحربي، وأما الموالاة فمعناها أن يتخذه صديقاً يزوره، ويجيب دعوته من دون حاجة بيع ولا شراء ولا غيرها، وأما محبته بالقلب فهذه ردة عن الإسلام، وهي التولي لهم، وأصل التولي المحبة بالقلب، ثم ينشأ عنها المساعدة، فمن أحب كافراً لدينه كأن يحب يهودياً أو نصرانياً أو وثنياً فهو كافر مثله، كما قال الله في هذه الآية: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١]، وأما الموالاة والمعاشرة والمصادقة لهم من دون محبة في القلب فهذه كبيرة من كبائر الذنوب، وهي فسق ومعصية، وتدل على ضعف الإيمان ونقصه.
ثم ذكر أوصاف المنافقين فقال سبحانه: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة:٥٢]، قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [المائدة:٥٢] هو مرض الشك والنفاق والشبهة.
وقد سبق أن ذكرنا أن المرض مرضان: مرض شك، ومرض شهوة، فمرض الشهوة هو مرض المعصية، قال سبحانه وتعالى في خطاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:٣٢]، فهذا هو مرض المعصية، وهو مرض الزنا ومرض الشهوة.
وأما مرض الشك والكفر والنفاق فكما قال سبحانه في سورة البقرة: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة:١٠]، وهذا أشد من مرض الشهوة؛ لأن هذا مرض في العقيدة.
وقال تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم} [المائدة:٥٢] أي: يضعون أيديهم مع الكفار من اليهود والنصارى، فإذا قيل لهم: كيف توالون اليهود والنصارى وتكونون معهم؟ قالوا: {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة:٥٢] أي: نخشى أن ينهزم المسلمون، فإذا انهزموا لجئوا إلى الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، وإن حصل للمسلمين فتح ونصر وغنيمة لجئوا إلى المسلمين وقالوا: نحن معكم، فشاركوهم في الغنائم، فيجعلون يداً مع هؤلاء ويداً مع هؤلاء، كما قال الله تعالى: {لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء:١٤٣].
قال الله: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} [المائدة:٥٢] أي: للمسلمين، {أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا} [المائدة:٥٢] أي: المنافقون، {عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:٥٢] من موالاتهم للكفار.